الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في التعبد بخبر الواحد]

صفحة 206 - الجزء 2

  قلنا: (لا يلزم استمراره) أي التواتر من لدن وقوعه إن نقل، بل لا يلزم استمراره (إلاَّ مدة استغرابه) فقط إذ الاستغراب هو السبب الموجب لأن ينقل كذلك، وذلك (كنتق الجبل) على بني إسرائيل والمشار إليه بقوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}⁣[الأعراف: ١٧١]، وذلك أن بني إسرائيل أبوا أن يقبلوا التوراة لغلظها وثقلها، فرفع الله عليهم الطور، وكان ذلك على مقدار عسكرهم، وكان فرسخاً في فرسخ، وقيل لهم: إن قبلتموها بما فيها، وإلا ليقعن عليكم، فلما نظروا إلى الجبل خر كل واحدٍ منهم ساجداً على حاجبه الأيسر، وهو ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقاً من سقوطه، فذلك لا ترى يهودياً إلاَّ سجد على حاجبه الأيسر، ويقولون هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة، (وانشقاق القمر) في عصر نبينا المشار إليه على بعض التفاسير بقوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ١} بدليل: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ٢}⁣[القمر].

  عن أنس: أن الكفار سألوا رسول الله ÷ آية، فانشق القمر، مرتين، وكذا عن ابن عباس وابن مسعود ®، قال ابن عباس: انفلق فلقتين فلقة ذهبت وفلقة بقيت، وقال ابن مسعود: رأيت حراء بين فلقتي القمر، وروي عن حذيفة أنه خطب بالمدائن، وقال: ألا وإن القمر قد انشق على عهد نبيئكم، وانشقاق القمر ثابت في الصحيح، (وتسبيح الحصى) السبع، الراوي له أبو ذر قال: كان ÷ في كفه سبع حصيات أو تسع، فكان لتسبيحهن دوي كدوي النحل، ووضعهن فخرسن، (ونحوها) من حنين الجذع المشهور قضيته، وتكليم الغزال والدراع المسموم، وتسبيح الطعام، فاستغراب هذه الأمور، كان عند حصولها، وقد نقلت تواتراً، ثم زال ذلك الاستغراب بزوالها لمّا كانت مما لا يبقى، فلم يلزم استمرار التواتر.

(فصل): [في التعبد بخبر الواحد]

  قال (أئمتنا والجمهور) من العلماء (والتعبد بخبر الواحد) العدل، وليس المراد نفس الواحد، بل ما لا يحصل به العلم من الآحاد صرح به في الحواشي، وهو مقتضى ما سيأتي في تغليط حكاية المنع عن أبي علي، (جائز) بمعنى أنه يجوز من الشارع أن يوجب على المكلفين العمل بمقتضاه، (ثم اختلفوا) أي القائلون بالجواز (في وقوعه):

  (فعند أحمد وابن سريج وأبي الحسين والقفال: يجب) وقوعه (عقلاً وسمعاً).