الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في التعبد بخبر الواحد]

صفحة 207 - الجزء 2

  (وعند أئمتنا والمعتزلة والطوسي) من الإمامية (والأشعري: يجب) وقوعه (سمعاً فقط، والعقل مجوز)، لإيجاب الشارع العمل بمقتضى خبر الواحد.

  وقالت (البغدادية والإمامية والظاهرية والخوارج): إنه (ممتنع سمعاً، وإن جاز عقلاً).

  (وقيل: ممتنع) جوازه (عقلاً، ونسبته) أي هذا القول (إلى أبي علي) كما فعل ابن الحاجب (غلط) منشؤه من منع أبي علي لقبول خبر الفرد، فأما الاثنان فصاعداً فإنَّه يجيز العمل بخبرهما، ويشترط ذلك متصلاً بالرسول قياساً على الشهادة.

  (وقيل): بل يمتنع جوازه (عقلاً وسمعاً).

  لنا: أما على جواز التعبد به فهو: أنا لو فرضنا أن الشارع يقول للمكلف إذا أخبرك عدل بشيء فاعمل بموجبه وعرضناه على عقولنا، فإنا نعلم قطعاً أنه لا يلزم من فرض وقوعه محال لذاته.

  وأما على وجوب التعبد به سمعاً: فإجماع الصحابة والتابعين، بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد، وعملهم به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصى، وقد تكرر ذلك مرة بعد أخرى، وشاع وذاع منهم، ولم ينكر عليهم أحد، وإلا نقل، وذلك يوجب العلم العادي باتفاقهم، كما أن القول الصريح منهم يوجب العلم باتفاقهم.

  والحاصل: أنه قد تواتر معنى أنهم كانوا يستدلون بخبر الآحاد، وإن كانت تفاصيل مثل ذلك آحاداً، وهذا إجماع منهم على ذلك، كيف وما نقل من ذلك لا يكاد يحصى، كخبر عبد الرحمن في جزية المجوس، فإنه لما روي قوله ÷ «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» عمل به عمر.

  وكتاب عمرو بن حزم في الدية والزكاة، فإنَّه عمل بما فيه من أن في كل أصبع عشراً من الإبل، وكان عمر يرى أن في الخنصر ستاً، وفي البنصر تسعاً، وفي الإبهام عشراً، وفي كل واحد من الآخرتين خمساً، وبما فيه من تفصيل زكاة المواشي.

  ومن ذلك خبر حَمَل بن مالك - بالحاء المهملة - في وجوب الغرة في الجنين، فإنَّه لما روي أنه كان عنده امرأتان إحداهما تسمى مليكة، والأخرى أم عقيب، رمت إحداهما الآخرة بحجرٍ أو مسطح أو عمود فسطاط، فأصاب بطنها، فألقت جنيناً، فقضى فيه رسول الله ÷ بغرةٍ عبداً أو أمةً، عمل به عمرو.

  والمسطح - بكسر الميم - نوع من الملاعق، وقيل: عود يرقق به الخبز.