الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار

صفحة 208 - الجزء 2

  ومنه أيضاً: خبر الضحاك بن سفيان، وهو الأحنف بن قيس في توريث المرأة من دية زوجها، فإنَّه لما روي أنه ÷ كتب إليه أن يورث امرأة الضبابي من دية زوجها عمل به، ونحو ذلك مما لا يجدي استيعاب النظر فيه إلاَّ التطويل، وموضعه كتب السيرة.

  ولنا أيضاً: تواتر أنه ÷ كان يبعث الآحاد إلى النواحي لتبليغ الأحكام، مع أن العلم بأن المبعوث إليهم كانوا مكلفين بالعمل بمقتضاه.

  احتج المثبتون له عقلاً وسمعاً: أما السمع فما ذكرناه.

  وأما العقل: فقال أبو الحسين: لأنه يجب العمل بالظن في تفاصيل الجملة المعلوم وجوبها عقلاً، بدليل أنه لما كان اجتناب المضار إجمالاً واجباً قطعاً وجب تفاصيله عقلاً، مثل قبول خبر العدل في مضرة أكل شيء معين فيحكم العقل بأنه لا يوكل، وفي انكسار جدار يريد أن ينقض فيحكم العقل بأن لا يقام تحته، وما نحن فيه كذلك لأنه ÷ بعث لتحصيل المصالح ودفع المضار قطعاً، ومضمون خبر الواحد تفصيل له، والخبر يفيد الظن، فوجب العمل به قطعاً.

  وأجيب: بأنا لا نسلم أن العمل بالظن في تفاصيل مقطوع الأصل.

  وأجيب: بل هو أولى للاحتياط، ولم ينته إلى حد الوجوب، سلمنا ذلك في العقليات، فلم يجب مثله في الشرعيات، ولا يجوز قياسها عليها لعدم التماثل وهو شرط القياس.

  احتج المانعون له سمعاً والمجيزون له عقلاً: أما الثاني فكما سلف.

  وأما الأول: فدليله قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} فنهى عن اتباع الظن، وقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} فذم اتباع الظن، والنهي والذم دليل الحرمة، وأنه ينافي الوجوب ولا شك أن خبر الواحد لا يفيد إلاَّ الظن.

  قلنا: المتبع الإجماع، وأنه ظاهر في أصل بلوغهم أن لا يمنعوا التعبد به إلاَّ بدليل قاطع، ولا قاطع لهم، وما ذكروه لا عموم له في الأشخاص ولا في الأزمان، وقابل للتخصيص فيما له عموم وهو القضايا والأحكام، فيُخصص بما يُطلب فيه العلم من الأصول، وبغيره كتأويل العلم بما يفيد الظن والقطع، وتأويل الظن بالشك والوهم.

  احتج المانعون له عقلاً: بأنه وإن لم يكن ممتنعاً لذاته فهو ممتنع لغيره، لأنه يؤدي إلى تحليل الحرام، وعكسه بتقدير كذبه، فإنَّه ممكن قطعاً، وذلك باطل، وما يؤدي إلى الباطل لا يجوز عقلاً.