الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار
  قلنا: إن قلنا: كل مجتهد مصيب فسقوطه ظاهر، إذ لا حلال ولا حرام في نفس الأمر لأنهما تابعان لظن المجتهد، ويختلف بالنسبة، فيكون حلالاً لواحد حراماً لآخر.
  وإن قلنا المصيب واحد فقط، فلا يرد أيضاً لأن الحكم المخالف للظن ساقط عنه إجماعاً.
  (ودليل التعبد به قطعياً) وهو التواتر المعنوي، وإجماع الصحابة، (ولا يفسق منكره) أي الآحادي (إذ لا دليل) على الفسق (وإن قطع بخطئه) لمخالفة الدليل القطعي.
  (واتفق الناس على وجوب العمل به في الفتيا والشهادة):
  أما الأول: فيجب على المستفتي امتثال قول مفتيه على تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى.
  وأما الثاني: فيجب على الحاكم الحكم متى كمل نصاب الشهادة.
  (وما قدح به الرازي في العمل به) أي الخبر الآحادي من أنا لا نسلم أن بعض الصحابة عمل على وفق الخبر الذي لم تعلم صحته:
  لا ضرورة: وإلا لم يخالف الإمامية والنظام ولم يقسموا على أنهم لا يعلمون ذلك ولا يظنونه، إذ لا يختص بها البعض.
  ولا استدلالاً: لأن الروايات التي ذكرتموها وإن بلغت المائة والمائتين فهي غير بالغة إلى حد التواتر، فيرجع حاصله إلى إثبات خبر الواحد بخبر الواحد.
  ولو سلم فلعل العمل بغير تلك الأخبار، ولا يلزم من موافقة العمل الخبر أن يكون به، على أنه السبب للعمل، ولو سلم عمل البعض فلا نسلم السكوت عن الإنكار، فإن أبا بكر أنكر خبر المغيرة أنه ÷ أعطى الجدة السدس حتى رواه محمد بن مسلمة، وأنكر عمر خبر أبي موسى في الاستئذان حتى رواه أبو سعيد، وأنكرت عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله.
  ولو سلم فلعل سكوتهم لا عن رضى بل لخوف وتقية.
  ولو سلم فإنما قبلوه في الجملة، ولا يلزم على قبول نوع من أنواعه قبول كل نوع لاحتمال أن يأمر الله تعالى بالعمل بذلك، ثم إنه لم ينقل إلينا ذلك النوع الذي أجمعوا لأجله، فوجب التوقف.
  ولو سلم فلا يلزم من جوازه للصحابة جوازه لنا، لأن الصحابة شاهدوا الرسول وعرفوا مناهج رموزه، وأحوال الرواة في العدالة وغيرها، فقوي الظن بتصديقهم بخلاف غيرهم.