فصل: [في الخبر والإنشاء وغيرهما هل لها حكم تتميز به عن بعضها]
  (فالبغدادية(١)) كأبي القاسم(٢) ومن وافقه (والفقهاء) قالوا: إنما كان أمراً (لذاته) لا لمؤثر أثر فيه.
  (و) قال (أئمتنا والبصرية(٣)): بل كان أمراً (لإرادة المأمور به) أي المؤثر في هذه الصفَة هو المحدث للصيغَة بواسطة إرادته للمأمور به.
  وقالت (الأشعريَّة): بل يكون أمراً (لإرادة) الموجد للفظ الصيغة (كونه أمراً) وإن لم يرد المأمور به.
  لنا: أنه قد ثبت أن الأمر لابد فيه من الصيغة المخصوصَة والاستعلاء والإرادة وكونه مريداً، ولا يصح أن يؤثر فيه غير ذلك؛ لأن الأمر قد امتاز عما سواهُ بدون ذلك الغير، فلم يبق إلا أن يكون المؤثر راجعاً إلى ما لا بدُّ منه في الأمر، وليس إلاَّ الأمر؛ لأن ما عداه من الصيغة والمأمور والمأمورُ به وغير ذلك لا يصلح؛ لأنها مع التهديد ونحوه ومعَ الأمر على سوَاء، ولا يصح أن يكون المؤثر فيها ذاتَ الأمر ولا شيء من المعاني المختصَّةِ به، ولا من الصفات الثابتة له إثباتاً ونفياً ما عدا الإرادَة وكونه مريداً؛ لأن غير ذلك مع الأمر والتهديد على سواء، فتعين أن يكون المؤثر في كونِه أمراً هو الإرادة، والتأثير في التحقيق لكونه مريداً؛ لكن لما كان المؤثر في كونِه مريداً الإرادة نسب التأثير إليها، وإنما كان التأثير لغيرها ولأنها لا تؤثر إلا فيما تعلقت به، وهي هاهنا إنما تعلقت بالمطلوب فكيف تؤثر حقيقة في غيره وهو الطلب، ثُمَّ هذه الصفة وهي كونه مريداً: إمَّا أن تتعلق بمجرد إحداث الصيغة، أو بصفتها، وهو كونها أمراً أو بما تناولته، لا يصح أن يكون تأثيرها لتعلقها بإحداث الصيغة؛ لأن تعلقها بذلك مع الأمر والتهديد على سواء، ولا لتعلقها بصفتها كما هو رأيَ
(١) البغدادية: من فرق المعتزلة، وهم يميلون إلى التشيع، وإلى تفضيل أمير المؤنين علي #، وهي تتمثل في معتزلة بغداد كأبي الهذيل وأبي القاسم البلخي، وبينهم خلاف وصراع مع المعتزلة البصرية المتمثلة في أبي علي وأبي هاشم وقاضي القضاة.
(٢) أبو القاسم البلخي: هو عبدالله بن أحمد بن محمد الكعبي البلخي الخراساني، من أئمة المعتزلة البغدادية، تنسب إليه الكعبية من المعتزلة، أخذ عن أبي الحسين الخياط، له معرفة واسعة بالكلام والفقه والآداب، انصرف إلى خراسان، وكان من أصحاب الإمام محمد بن زيد الداعي # وجرى بينهما مكاتبات، وله كثير من المصنفات منها: عيون المسائل وكتاب المقالات وغيرها، ومولده سنة (٢٧٣) هـ، وتوفي ببلخ في أيام المقتدر العباسي سنة (٣١٩) هـ.
(٣) البصرية: هم معتزلة البصرة المتمثلون في أبي علي وأبي هاشم ومن معهما.