الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار
  لنا: إجماع الصحابة على قبول رواية بعضهم من بعض مع قيام الفتنة ووهج لظاها، ودوران رحاها، والقطع من إحدى الطائفتين بتضليل من ناواها بالبغي عليها، ولم ينقل منهم اطراح رواية أحد من الطائفة الأخرى، ولا أن أحداً منهم في ذلك تحرى.
  وقد يقال: لا نسلم القبول إجماعاً، وإن سلمنا فلا نسلم الإجماع على أن ذلك فسق تأويل حتى يلزم الإجماع على قبول رواية فاسق التأويل فإن كثيراً منهم كان يعد ذلك من المسائل الاجتهادية، وأنت تعرف أن التفسيق منها على مراحل.
  وأيضاً فإن من يعتقد الكذب كفراً كالخوارج فإن الظن بصدقه أقوى، إذ يكون أكثر تحرزاً عن الكذب مما لا يعتقد ذلك؛ لأن تحرز الأمة عن الكفر أكثر مما دونه فجرى مجرى العدل الصريح، فلزم العمل بخبره، وعصيانه في اعتقاده لا يقدح.
  (و) لكنه (يستثنى من كفار التأويل وفساقه عند قابلهم من يجوز الكذب) لمذهبه وأهل مذهبه (إن لم نقل بكفره أو فسقه تصريحاً، كالسالمية والكرامية والخطابية) وهم فرقة من غلاة الروافض ينتسبون إلى أبي الخطاب محمد بن وهب الأجدعي كأن يقول إن علياً الإله الأصغر، وكان مذهبه أن الداعي إذا حلف عنده وظن صدقه الحكم له ويقول المسلم لا تحلف كاذباً، (ونحوهم) ممن يقول بقولهم لأن صدقهم غير مظنون.
  احتج المخالف: بأن منصب الرواية لا يليق بالفاسق، غاية ما في الباب أنه جهل فسقه، ولكن جهله بفسقه فسق آخر، فإذا منع أحد الفسقين من قبول الرواية فالفسقان أولى بذلك المنع.
  قلنا: إذا لم يعلم كونه فسقاً لم يدل على جرأته عليه بخلاف المصرح، الفارق لم يخرُج الفاسق تأويلاً بفسقه عن أهل الإسلام، مع غلبة الظن بصدقه، بخلاف الكافر، فكان بالرد أجدر.
  قلنا: خروجه بكفر التأويل يوجب رد روايته لمفارقته للخارج تصريحاً في كثير من الأحكام مع ظن صدقه، ومع ظهور الفرق لا يجوز الجمع.
  (ولا يقبل من أظهر التأويل وأقواله وأفعاله تدل على مخالفة الحق كمعاوية) بن أبي سفيان لعنه الله، فإنَّه أظهر أن حربه لأمير المؤمنين كرم الله وجهه للطلب بدم عثمان، ولكن أقواله وأفعاله تدل على كذبه في دعواه؛ لأنه طلب الدم وليس بوليه، ومن غير من يستحق الطلب منه، ومثله عمر بن العاص يدل عليه قوله لمعاوية في بعض أشعاره: