الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار

صفحة 216 - الجزء 2

  في العقوبات، وكما في شهادة الوالد لأحد ولديه على الآخر فإنَّه قد لا يتهم وترد شهادته؛ لأن الأبوة مظنة التهمة، فلا ينظر إلى الحال، وإنما مظنة التهمة ارتكاب الفسق مع المعرفة دون من لا يعرف ذلك، ثم استدل بدليلنا الدال على قبول فساق التأويل، وقد عرفت أن المختار أنهما إذا كانا مع التأويل أنهما مظنة تهمة أخذاً من بناء أكثر الأصحاب على قبولهما.

  واعلم: أن البدعة منها ما يكون صاحبها كافراً كالجبر والتشبيه عند من أثبت كفر التأويل، ومنها ما يكون فاسقاً، قال في البحر: كالخوارج الذين يسبون علياً #، والروافض الذين يسبون الشيخين لجرأتهم على ما علم تحريمه قطعاً.

  (فأما من لم يكفر ولم يفسق ببدعته كالمختلفين في بعض مسائل الأصولين) أصول الدين وأصول الفقه، كالقول بأن العوض لا ينقطع كالثواب، وهو قول الحسين بن القاسم وأبي الهذيل وصاحب الكافي، وكالمختلفين في مسألة الإمامة، وكمن يقول إن الملائكة أفضل من الأنبياء وعكسه، وكالقول بأن صفات الباري زائدة على الذات أو لا؟.

  قيل: وكالرجاء نص عليه القاضي عبد الله، والحاكم في شرح العيون، والفقيه حميد في العمدة، وكالخلاف في وجوب العمل بخبر الآحاد والقياس ونحو ذلك، نص على هذا القرشي في المنهاج، والسيد محمد في التنقيح.

  قال السيد محمد: وإنما لم يكفر، لأن الأدلة السمعية لم ترد بذلك.

  فهؤلاء المختلفون (وإن ادعى كل منهم القطع بمذهبه فمقبولون إجماعاً) لعدم ما يوجب رد الخبر إذا العدالة ثابتة.

  وقال ابن الحاجب: لقوة الشبهة من الجانبين، يعني جانب النافي والمثبت كما تقدم له في البسملة، (وكذا من أتى مظنوناً من الفروع المختلفة فيها) تحريماً وتحليلاً، سواء كان الآتي (مجتهداً أو مقلداً) لذلك المجتهد المجيز لذلك، وذلك (كشرب ما لا يسكر من النبيذ) واللعب بالشطرنج ونحوه، فما هذا حاله فإنَّه لا يفسق لكونه مظنوناً لأجل الخلاف، ولا يفسق أو يكفر إلاَّ بقاطع.

  (وتقبل شهادته أيضاً) كما يقبل خبره لعدم الفارق (إجماعاً) من الأمة، (ولا وجه لتفسيقه) بذلك (ولا لتسمية) الفعل (ذلك فسقاً مظنوناً للقطع بأنه ليس بفاسق، إذ لا قاطع) يدل على الفسق، وأنه شرطه كما سبق، بل لأنه يؤدي إلى تفسيق له بارتكاب عمل متفرع على رأي يجب