الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [شروط العمل بخبر الواحد]

صفحة 218 - الجزء 2

  قلنا: إن عدالته إنما تؤمنا من تعمده الخطأ والكذب لا من السهو والغفلة، ومن الجائز حينئذ أن يتصور فيما لم يضبطه أنه ضبطه، وفيما سهى عنه أنه لم يسه عنه، ولا يقدح في العدالة إلاَّ تعمد الكذب، والمفروض عدم تعمده، فلا يقدح في عدالته فلا مقتضى لقبول قوله.

  القائلون بأنه موضع اجتهاد، قالوا: رد ابن عباس وعائشة قول أبي هريرة في خبر الإستيقاظ وردت خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه وقبول غيرها إياهما ولم ينكر لا على الراد ولا على القائل، وما ذاك إلاَّ لأن طريقه الاجتهاد، ولا فيما هو كذلك وهو المطلوب.

  قلنا: مع المساواة لا تترجح طرق الإصابة، فلا يحصل الظن، فلا يقبل، واعتماد قرينة الإصابة رجع إلى غير الخبر، وهو خلاف الفرض؛ لأن الفرض حيث استوى الضبط والغفلة ولا استواء هنا لرجحان ما عضد به القرينة على الآخر، وأما الخبر فلا دلالة في أيهما، أما الأول فلأنهما إنما رداه لظهور خلافه لا لما ذكره، ولذا صرحا بما يدل على ظهور خلافه، فقالا كيف يصنع بالمهراس، وأما الثاني فإنما رد بمصادمة القاطع، ولهذا تلت: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وأيضاً فإن ابن عمر لم يستو ضبطه وسهوه، بل كان الأغلب من حاله الحفظ.

[الشروط المتفقة والمختلفة بين الشهادة والرواية]

  واعلم أن الشهادة تشارك الرواية في أمور وتتفرد بأمور، وكذلك الرواية، فلا جرم بين ذلك بقوله:

  (وتشارك الشهادة الرواية في اعتبار هذه الشروط الأربعة) التي هي التكليف والإسلام والعدالة والضبط (فيها) أي في الشهادة، بل اعتبارها في الشهادة أولى؛ لأن التحري فيها أكثر، (وتختص الشهادة) بثلاثة أمور:

  الأول: (باعتبار عدم العداوة للمشهود عليه) بخلاف الرواية، فلا فصل فيها بين قبولها من صديق وعدو عداوة غير فسق أو كفر صريحين، وإنما اعتبر ذلك في الشهادة لقوله ÷: «لا تقبل شهادة ذي الظنة والعدو على عدوه، ولا تقبل شهادة ذي العمرة على أخيه» قيل: والآخر ليس من ثمام الحديث، وعن طلحة أن الرسول ÷ أمر منادياً فنادى: ألا لا تجار شهادة خصم وظنين، وفي هذا خلاف محله الفروع.

  (واعتبار العدد) الثابت بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}⁣[البقرة: ٢٨٢]، بخلاف الرواية، فلا فصل عندنا فيها بين واحد واثنين،