فصل: [في الخبر والإنشاء وغيرهما هل لها حكم تتميز به عن بعضها]
  الأشعريَّة؛ لأن تعلقها بكون الصيغة أمراً فرع على ثبوت كونها أمراً، وثبوته متفرع على تأثير المؤثر فيه، وهذا دور محض لا شك فيه، فلم يبق إلاَّ أن المؤثر فيها كونه مريداً للمأمور به وهو المطلوب.
  القائلون بأنه لا يعلل، قالوا: كما تقدم يصير أمراً بورود صيغة افعل على جهة الاستعلاء مع الإرادة لما تناوله من غير إثبات أمر زائد على ذلك.
  البغدادية قالوا: كما تقدم هو ثابت لذاته كإثبات كون الجوهر جوهراً والسواد سواداً.
  قلنا: لو كان كذلك لم تخرج الصيغة عن كونها أمراً فيكون التهديد أمراً، وكان يجب أن يعم الأمر جميع من يصح أمره؛ إذ لا مخصص.
  قال الدواري: ووجوه الإبطال عليهم بالنظر إلى ظاهر كلامهم فيها كثرة.
  واعلم أن الرازي(١) ذهب إلى أن الصيغة تكون أمراً بالوضع من غير اعتبار إرادة كأسد وجمل، وحُمل قول أبي القاسم على ذلك وليس ببعيد عن المقصد، واحتج لما ادعاه بأنه قد ثبت أن ماهيَّة الأمر والنهي والخبر وغير ذلك من أقسام الكلام ماهيات معلومَة ضرورة لكل العقلاء من أرباب اللغات أجمع بل للصبيَان، ونعلم تفرقة ضرورية بين طلب الترك وطلب الفعل والإخبار والإستفهام وذلك معلوم بالوضع اللغوي من غير التفات إلى غير ذلك.
  الأشعرية، قالوا أولاً: الإيمان من الكافر الذي علم الله أنه لا يؤمن كأبي لهب مطلوب بالاتفاق، مع أنه ليس بمراد الله تعالى؛ إذ لو أراد منه الإيمان ولم يقع لكان مغلوباً على مراده.
  قلنا: إنما أراد منه الإيمان باختياره لا على سبيل الإلجاء، وإلاَّ لوقع قطعاً، فلا مغلوبيَّة حينئذ لعدم حصول شرط الإيمان وهو الاختيار.
  قالوا ثانياً: ما علم الله أنه لا يقع فهو ممتنع، والله لا يريد الممتنع.
  قلنا: العلم تابع للمعلوم فلا امتناع مع تبعيَّة العلم.
(١) الرازي: هو فخر الدين محمد بن عمر، أبو عبد الله الرازي، طبرستاني الأصل، شافعي المذهب، أشعري العقيدة، ويقال بأنه رجع إلى مذهب العدلية، صاحب التصانيف المعروفة منها التفسير الكبير المسمى مفاتيح الغيب المعروف بتفسير الرازي، ولد سنة (٥٤٥) هـ، - جمع بين علمي الأصول والفروع وعلوم الفلسفة، وله أكثر من ستين مؤلفاً، توفي مسموماً، بمدينة هراه (بإيران) سنة (٦٠٦) هـ، ومن أشهر مصنفاته في أصول الفقه: المحصول.