الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في رواية المجهول]

صفحة 231 - الجزء 2

  لنا على الطرف الأول: أن الأدلة نحو قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}، دلت على المنع من اتباع الظن في المعلوم عدالته والمجهول، فخولف في المعلوم عدالته لدليل هو الإجماع فيبقى فيما عداه معمولاً به فيمتنع اتباع الظن فيه، ومنه صورة النزاع، وهو المجهول.

  وأيضاً الفسق مانع بالاتفاق، فيجب تحقيق ظن عدمه كالصبا والكفر، فإنه لا يقنع بظهور عدمها بل يجب تحقق ظن عدمها.

  وأما على الطرف الثاني: وهو أن مجهول الصحابي يقبل، فقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}⁣[الفتح: ٢٩]، وكذا قوله ÷: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»⁣(⁣١)، «وخير القرون قرني ثم الذين يلونهم»، وقوله ÷: «لو أنفق أحدكم ملء الأرض ذهباً ..» الخبر، ولأن النبي ÷ اقتضى هذه على شهادة الأعرابي على رؤية الهلال، وقد اقتضت هذه الأدلة التعميم في الصحابة، ما لم يظهر من أحدهم فسق كالناكثين والقاسطين والمارقين.

  وضعف الشطر الآخر من قول السيد: بأن عمر رد خبر فاطمة بنت قيس، وقال: كيف نقبل قول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، ورد أمير المؤمنين قول الأشجعي، وكان يُحلِّف الراوي.

  ثم أحداً من الصحابة ما أظهر الإنكار على ردهم، وذلك يقتضي حصول الإجماع.

  وأما قبول النبي للأعرابي: فلعله عرف عدالته؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، ولم يحدث بعده ما ينقض العدالة.

  وأما مجهول التابعين: فلا وجه لقبوله مع تضعيف قبول مجهول الصحابة.

  احتج المخالف: بأن الفسق شرط وجود السبب، فإذا انتفى الفسق انتفى وجوب السبب، وهاهنا قد انتفى الفسق، فلا تجب البينة.


(١) هذا حديث ضعيف قاله ابن كثير، قال: رواه عبد الرحيم بن يزيد العمي عن أبيه، قال ابن معين: هو كذاب، وقال السعدي: ليس بثقة، وقال أحمد: تركوه، وقال أبو حاتم: حديثه متروك، وقال أبو زرعة: واهي، وقال داوود: ضعيف وأبوه ضعيف، وقد روي من غير طريق، ولا يصح شيء منها، ذكر ذلك ابن كثير في كلامه على أحاديث المنتهى، واحتج به ابن عبد البر في التمهيد وسكت عنه. تمت من هامش النسخة (أ).