الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار
  (وقيل: عكسه) وهو أنه يكفي الإطلاق في الجرح دون التعديل.
  وقال (بعض أئمتنا) كالمهدي (والجويني والغزالي والرازي: إن كان عالماً بأسبابهما كفى الإطلاق) فيهما، (وإلا) يكن عالماً بأسبابهما (فلا) يكفي الإطلاق، بل لا بد من التفصيل وإبانة السبب، (و) قول هؤلاء المتأخرين (هو المختار، لكن يشترط اتفاق الجارح والمجروح معتقَداً(١) في الجرح)، أما لو اختلفا كأن يكون أحدهما شافعياً لا يرى حل المطبوخ والآخر حنفياً يرى حله، فإنَّه لا يكون جرحاً لجواز أن يعتقد الجارح كون الفعل يوجب الجرح، والمجروح لا يعتقد ذلك.
  لنا: أنا لو أثبتنا أحدهما بقول من ليس بعالم بأسبابهما لأثبتنا به مع الشك بخلاف العالم.
  احتج الباقلاني: بأنه إن شهد من غير بصيرة له بحالهما لم يكن عدلاً، وهو خلاف المفروض.
  ورد: بأنه قد اختلف في سبب الجرح، فربما جرح بسبب لا يراه غيره جرحاً.
  واحتج أهل القول الثاني: بأنه لو اكتفى بالإطلاق لا يثبت فما يثبت مع الشك للإلتباس في أسباب الجرح والتعديل وكثرة الخلاف فيهما، وأنه لا يصح أن يثبت ذلك مع الشك فيه.
  وأجيب: بأن قول العدل يوجب الظن، فإنه لو لم يعرف لم يقل فليس بإثباتٍ له مع الشك.
  قال الشافعي: لا بد من ذكر سبب الجرح لاختلاف الناس فيما يجرح به بخلاف العدالة، فإن سببها واحد لا اختلاف فيه.
  وأجيب: بأن اجتناب أسباب الجرح أسباب للعدالة والاختلاف فيها اختلاف في العدالة، وقد رجح قول الشافعي، بأن العدالة بمنزلة وجود مجموع يفتقر إلى اجتماع آخر أو شرائط يتعذر ضبطها ويتعسر، والجرح بمنزلة عدم له يكفي فيه انتفاء شيء من الأجزاء والشروط، فيذكر العاكس العدالة تلبيس على الناس لكثرة التصنع فيها بخلاف الجرح.
  وأجيب: بأن الجرح قد يدخله اللبس لكثرة الاختلاف في كثير من الوجوه التي يجرح بها، وقد عرفت مآخذ الأقوال، والمسألة اجتهادية يكتفى فيها بالظن، فعليك بالترجيح، واختيار ما هو أغلب على الظن.
(١) قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم: الجرح مع المخالفة في الإعتقاد لا يقبل، لأن ذلك من موجبات العداوة والتهمة خصوصاً في حق القدماء، وحدهم رأس ثلاثمائة سنة. انتهى، وقريب أن قوله في الجرح يتعلق بشرط لا معتقداً كما يوهمه تمثيل الشارح.