الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في شروط الخبر الآحادي الراجعة إلى الخبر]

صفحة 244 - الجزء 2

  وأما طريقة المحدثين فيما ورد عنه ÷ مما يخالف ظاهره القواطع كشيء من الآحاديث القاضية بالتجسيم والقدم والوجه ونحو ذلك مما رواه الثقات، فهم يحكمون بصحتها ولا يتأولونها بل يقولون نحن مؤمنون على ما أراده الله تعالى مع تنزيه الله عن الجسيمة والمكان والتحيز، ويحكمون بأن المتشابه لا يعلمه إلا الله وأن فرض العلماء الإيمان به، كما قال سبحانه: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}⁣[آل عمران: ٧] /وهذا من ذاك إبقاء على السنة، وحملاً للرواة على السلامة مع عدالتهم وثقتهم والله ولي التوفيق.

  (أو شرعياً علمياً أو عملياً) وهذا عطف على قوله: عقلياً وهو أعني الشرعي القاطع كنصوص الكتاب والسنة المتواترة والإجماع القطعية.

  قال الرازي في المحصول: واعلم أنه لا يستحيل عقلاً أن يقول الله تعالى: أمرتكم أن تفعلوا بالكتاب والسنة والإجماع بشرط أن لا يرد خبر واحد على مناقضته، فإذا ورد ذلك فتكليفكم أن تعملوا بخبر الواحد لا بهذه الأدلة، لكن الإجماع عرفنا أن هذا الحمل لم يقع؛ لأن الإجماع منعقد على أن الدليلين إذا استويا ثُمَّ اختص أحدهما بنوع قوة غير حاصل في الثاني فإنه يجب تقديم الراجح، فهاهنا هذه الأدلة الثلاثة لمَّا كانت مساوية لخبر الواحد في الدلالة، واختصت هذه الثلاثة بمزيد قوة وهي كونها قاطعة في سننها لا جرم وجب تقديمها على خبر الواحد، (فإن) كان خبر الواحد قد (خصه) أي القاطع (قُبِل) ذلك الخبر وعمل به؛ لأن التخصيص لا إبطال فيه (كما تقدم) تفصيله في باب العموم والخصوص مستوفى.

  الشرط (الثاني) من شروط الخبر الآحادي الراجعة إلى الخبر: (الإسناد) لذلك الخبر، (و) الإسناد: (هو اتصال الرواة، من راويه) لنا حتَّى ينتهي (إلى النبي ÷) فهذا الشرط لا بد منه (عند أكثر المحدثين والظاهرية وبعض الأصوليين) كأبي بكر الباقلاني وأبي حامد الغزالي وابن الخطيب الرازي، وبه قطع الحاكم وأبو عبد الله، (ولذلك) أي ولأجل أنهم اشترطوا الإسناد (منعوا قبول المراسيل مطلقاً) سواء كان من التابعين أو من بعدهم من أئمة النقل أو كان معتضداً بقوة أو لا، (إلا) أن يكون المرسل (من الصحابي) وظاهر إطلاق الإمام وغيره التعميم عن هؤلاء المذكورين.

  وقال (الإسفرائيني: ولا يقبل) المرسل (منه) أي الصحابي (أيضاً) كما لا يقبل من غيره.