الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار
  فإن قيل: لو كان كما ذكر لكان المخالف خارقاً للإجماع فيكفر ويخطأ قطعاً، وليس كذلك.
  قلنا: إنما كان ذلك في الإجماع المعلوم ضرورة، وأما الثابت بالاستدلال أو بالأدلة الظنية فلا.
  ولنا: أيضاً أن الأدلة الدالة على التعبد بخبر الواحد لم تفرق بين المسند والمرسل.
  وقد يقال: لا نسلم الإجماع المدعى، ونمنع عدم إنكار ابن عباس، ولعلهم اكتفوا عنه بإنكار حديثه فإنهم ردوه ولم يقبلوه، كيف ولو صح قبول تلك الآحاديث التي جعلتم قبولها حجة لم تفد إذاً أكثر من الظن؛ لأنها أحاديث لم تتواتر لنا عنهم، والمسألة أصولية لا يكتفى في إثباتها بالظن.
  فإن قيل: المسألة العلمية وسيلة إلى العمل فيكفي فيها الظن.
  قلنا: جميع مسائل الأصول كذلك وقد منعوا فيها الاكتفاء بالظن، وإنما ذلك فيما يتعلق بكيفية العمل بالذات كمسائل الفقه، على أنه لو ثبت ذلك لم يثمر المطلوب؛ لأن الساكت إنما لم ينكر؛ لأن المسألة اجتهادية، وسكوته لم يدل على الموافقة.
  قالوا: أولاً: لو قبل المرسل قبلت رواية المجاهيل؛ إذ هو رواية عن مجهول لكنها لا تقبل فلا يقبل.
  قلنا: الظاهر أنه لا يرسل إلا عن من عرف عدالته وإلا كان قد أغرى السامع بالعمل بما لا يصح وذلك خيانة للمسلمين لا تصدر من عدل، فتكون الرواية في المرسل تعديلاً لمن لم يذكر من الرواة، فافترقا، ولا خفاء أن الجاهل يرسل ولا يدرى عن من رواه فضلاً عن صفته التي هي العدالة قبل، ولذا اتفق على عدم قبوله في عصرنا.
  قالوا: ثانياً: لو جاز العمل بالمراسيل لكان اتفاقهم على ذكر الإسناد إجماعاً على العبث أو ليس لذكره فائدة وذلك محال عادة.
  قلنا: بل فائدته معرفة تفاوت رتبهم للترجيح عند التعارض ورفع الخلاف، واختلف في المراسيل ولم يختلف في المسند.
  احتج ابن إبان: بأن الصحابي لا يخلو إمَّا أن يروي عن رسول الله ÷، وعن صحابي مثله يبلغ به رسول الله أو سمعه منه وهم عدول، وكذلك التابعي لا يروي إلا عن الصحابي، والحال فيه ما تقدم، وكذلك أئمة النقل مع عدالتهم وتضلعهم وشدة تحرزهم لا يروون إلا عن عدل بخلاف غيرهم، فقد حدث فيهم من التساهل في رواية الحديث ما لو رآه الصحابة والتابعون لبحثوا أشد البحث، فمرسل غيرهم لا يثمر الظن الراجح، فلا يكون حجة.