(فصل): [في شروط الخبر الآحادي الراجعة إلى الخبر]
  يتصدق ولا يكثر العبادة وهو في الباطن مخالف لذلك، نص عليه القاضي عبد الله بن حسن، وإنما يقبل التدليس (لأنه نوع منه) أي من الإرسال، والإرسال مقبول كذلك.
  وقال السيد محمد: بل هو أولى بالقبول من المرسل؛ لأنه إذا كان في الإسناد من لا يقبل فالحديث مردود، وإن كان عن ثقات عنده فقد أوهم التدليس لا أنه صحيح، وقصد إيهام ذلك بخلاف المرسل فإنه وإن أظهر الصحة فإنه لم يظهر فيه قرينة تدل على قصد الإيهام، لكن تحتمل صحته عنده، (إلاَّ القسم، والثاني والرابع منه الآتيين) إنشاء الله تعالى عند بيان أقسامه فإنهما لا يقبلان لما سنعرفه إنشاء الله تعالى، (ورده أقلهم) أي الجمهور، لكن لا على الإطلاق، بل (إذا روي بالعنعنة).
  قال السيد محمد: وهو قياس كلام أئمتنا وعلمائنا؛ لأنهم مثلوا المرسل بقول الشافعي: قال رسول الله ÷، ولم أجد فيهم من ذكر العنعنة في المرسل، ويحتمل أن يقبلوا المدلس بعن، وإن لم يقبلوا ذلك من المرسل؛ لأن المدلس قد ظهر من قصد إيهام الصحة بخلاف المرسل.
  إذا عرفت هذا فاعلم أن قد روي التدليس عن جماعة من المشاهير كالأعمش، وهشيم بن بشير، وقتادة، والثوري، وابن عيينة، والحسن البصري، وعبد الرزاق، والوليد، ومسلم، وغيرهم، وهؤلاء من رواة الصحيحين، وقد شدد أصحاب الحديث في رده حتَّى قال بعضهم: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس.
  (و) التدليس (هو أربعة أقسام):
  القسم الأول: (تدليس الإسناد: وهو أن يروي عن شيخ شيخه مع إسقاطه) كأن يقول: عن ابن عباس ويسقط عكرمة، ولهذا شرطان:
  أحدهما: أن يأتي بلفظ محتمل غير كذبٍ مثل: عن ابن عباس ونحوه.
  وثانيهما: المعاصرة؛ إذ من شرطه إيهام السماع، فإن لم يعاصر فليس بتدليس، وروي عن بعضهم أنه لا يشترط ذلك، قال ابن عبد البر: فعلى هذا ما سلم من التدليس أحد.
  القسم الثاني: قوله: (أو يعطف على من يسمع عنه) ذلك الحديث من الشيوخ (من لم يسمع عنه ويوهم) بذلك العطف (السماع عنه) أي من لم يسمع عنه من سمع منه (نحو: حدثنا فلان وفلان) وإنما سمعه من أحدهما، ويجعل الثاني مبتدأ خبره ما بعده مما يصح فيه ذلك أو نحوه من التأويلات المخرجة له عن تعمد الكذب، وحكى الحاكم هذا النوع عن هشيم، وهو ليس من المرسل؛ لأن المرسل فيه حذف، وهذا زيادة، وقياس هذا القسم الرد لإيقاعه السامع في الخطأ واعتقاد من ليس براوٍ راوياً.