الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في الشروط الراجعة إلى المخبر عنه]

صفحة 260 - الجزء 2

  إن ورد (ابتداء) بمعنى أنه لم يتقدمه دليل قطعي يوافقه فيما دل عليه أو يخالفه، بل ليس إلا هذا الآحادي، والمسائل العلمية (كما تعم به البلوى علماً) ومعنى عموم البلوى علماً: شمول التكليف بعلمه لجميع المكلفين، وسمى التكليف بلوى لما فيه من الابتلاء وهو الاختبار، وذلك (نحو المسائل الإلهية) أي التي ترجع إلى الله تعالى وذلك كمسائل أصول الدين، (أو) عمت به البلوى (علماً وعملاً) ومعنى عمومها عملاً: شمول التكليف به لجميعهم أو أكثرهم، وتكرره عليهم وعظم مشقته، كذا قيل، وذلك (كأصول الشرائع) التي تترتب عليها وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج، فهذان القسمان إذا ورد فيهما الآحادي ابتداء (لم يقبل) بل يجب أن يضرب به وجه قائله، (خلافاً للإمامية والبكرية وبعض المحدثين) فإنهم قبلوه، ومن ثَمَّ احتجت الإمامية والبكرية به على إمامة أئمتهم.

  لنا على رد ما هذا حاله: أنه لو كلفنا به في العلميات لكان التكليف به - مع أنه ليس له صلاح في إفادة العلم - تكليفاً بالمحال، وأيضاً لو صح لنقل نقلاً مستفيضاً يفيد العلم لعموم التكليف به وكونه مما تتوفر الدواعي إلى نقله وإلاَّ لجوزنا إيجاب صلاة سادسة.

  قالوا: أدلة وجوب العمل بخبر الواحد لم تفصل، فاقتضى وجوب العمل به هنا.

  قلنا: إنما دل على قبوله شروط، منها: أن لا يكون فيما المطلوب فيها العلم؛ إذ يؤدي إلى التكليف بالمحال كما سبق.

  (وإن ورد) الآحادي (غير ابتداء) بل كان قد تقدمه دليل قطعي عقلي أو نقلي، فلا يخلوا إمَّا أن يوافق ذلك الآحادي أدلتها أو لا:

  (فإن وافق أدلتها) أي أدلة المسائل الإلهية وأصول الشرائع، وأدلتها هي العقل ومحكم الكتاب والسنة المتواترة (قُبل مؤكِّداً) لتلك الأدلة، قال في المحصول: لأنه لا يمتنع أن يكون # قاله واقتصر به على آحاد الناس واقتصر بغيرهم على الدليل الآخر. انتهى.

  وذلك كالأخبار المروية من جهة الآحاد في نفي الرؤية، (لا) أنه يقبل (حجة) شرعيةً (على انفراده)؛ لأنه لا يفيد إلا الظن، وهو لا يجدي نفعاً فيها، (خلافاً لهم) أي الإمامية والبكرية وبعض المحدثين بناء على أن خبر الواحد يفيد العلم، وقد تقدم إفساده لا على أنهم يقبلونه مع عدم إفادته للعلم، فإنه قد تقدم عن الإمامية أن التعبد بخبر الواحد ممتنع سمعاً ومرادهم مع عدم إفادته للعلم والله أعلم.