(فصل): [قبول الآحادي في الحدود والمقادير]
  قال ابن الحاجب: وأمَّا تقديم ما يُقدم من القياس فلأنه يرجع إلى تعارض الخبرين وأحدهما راجح، فيقدم الراجح.
  وأمَّا الوقف فيما أوجب فيه الوقف: فلتعارض الترجيحين ترجيح خبر القياس؛ إذ قد تقدم أن العلة تثبت بنص راجح وترجيح الخبر الآخر لقلة المقدمات بعد انضمام القياس.
  قلنا: الجواب عن الأول: أنَّه لو اتحد متعلق الخبرين لزم ما قال، وأما مع تغاير متعلقهما فلا وجه لإبطال النص إذا لم يصادم نص الأصل في محله بل في غيره، ففي العمل بالخبر وفاء بامتثال الخبرين جميعاً - أعني خبر الأصل والخبر المعارض للفرع -.
  وعن الثاني: عدم مقاومته للنصوص الواردة من تقديم الخبر على القياس.
  احتج الباقلاني: بتعارض الأدلة عنده.
  قلنا: ثبت الترجيح بأدلتنا.
(فصل): [قبول الآحادي في الحدود والمقادير]
  قال (أئمتنا والجمهور) من العلماء - المعتزلة والأشعرية وأكثر الفقهاء منهم الشافعي وابن يوسف ورازي الحنفية -: (ويقبل) الخبر الآحادي (في الحدود) فلو ورد خبر بأن من قتل امرأة أو آتاها في دبرها يُحدَّ حَدَّ الزاني قُبل، لأن راوي الخبر الآحادي عدل جازم في حكم ظني، فوجب قبوله وإن لم يثمر إلا الظن في الحدود (كغيرها) من العبادات والمعاملات والعادات.
  وأيضاً: قد ثبت الحد بالقياس، وذلك حد شارب الخمر كما سبق عن أمير المؤمنين ولم ينكر عليه، بل أجمع على قوله، فيكون ثبوتها بالخبر الآحادي أولى؛ لأنه من القياس أقوى.
  (خلافاً للكرخي وقديم قولي أبي عبدالله) وقد رجع عنه فقالا: لا يقبل، محتجين بقوله #: «ادرؤوا الحدود بالشبهات» واحتمال الكذب شبهة، فوجب سقوط الحد به.
  قلنا: لا شبهة مع الحديث الصحيح كما لا شبهة مع الشهادة.
  (و) يقبل خبر الآحاد (في المقادير كابتداء النصب والكفارات) هذا لفظ الجوهرة، قال بعض شارحيها: يعني بذلك لو ورد خطاب بخبر أحادي أن نصاب الخضروات للزكاة مائتا درهم، وكذا نصاب أموال التجارة، ثُمَّ قال ما معناه: ويلحق بذلك تقدير الديات والحدود وغير ذلك من الأعداد