(فصل): [في كيفية الرواية وبيان الصحابي]
  وقال (الباقلاني): هم (كغيرهم) فيهم العدل والفاسق، فيبحث عن عدالتهم، فإن جماعة من المحدثين نصوا على فسق الوليد بن عقبة وبسر بن أرطأة، لارتكابهما الكبيرة جرأة، وكذلك المغيرة بن شعبة، فلا بد من التعديل إلا لمن كانت عدالته ظاهرة أو مقطوعة كأمير المؤمنين وغيره من أفاضل الصحابة.
  لنا: ما يدل على عدالتهم من الآيات نحو قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة: ١٤٣]، أي عدولاً، وقوله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١١٠]، وقوله {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الحجرات: ٢٩].
  ومن الحديث قوله ÷ «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»، وقوله «خير القرون قرني ثُمَّ الذين يلونهم»، وغير ذلك، وهذه وإن كان ظاهرها التعميم فإن الخبر المشهور المتواتر بنص أهل الحديث وهو قوله ÷ لعمار «تقتلك الفئة الباغية»، وكذلك قوله ÷ لعلي «تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين»، ونحو ذلك مما يفيد العلم عند من له بحث في السير والآثار مما يدل على بغي من حارب أمير المؤمنين وفسقه يقتضي تخصيص محاربته كرم الله وجهه، وأن البغي مناف للعدالَة قطعاً، ألا ترى كيف أمر تعالى بقتال الفئة الباغية وقتلها لخروجها عن أمره حتَّى تفيء عن بغيها وغيِّها، وكل خارج عن أمره تعالى قد جعل حده القتل، فهو فاسق قطعاً، كيف وهو لا يعلم مخالف في ذلك، بل لو خالف مخالف في ذلك لم يعبأ بخلافه فإن ذلك مكابرة وبهت.
  وما قيل من أن هذه المسألة اجتهادية: فأصل فاسد موضع فساده علم الكلام، وقد علم مما قلناه أن قولهم؛ لأن الفاسق غير معين ظاهر السقوط والتهافت، وأن قائله جاهل فيُعَرَّفُ أو يُعْرَضُ عنه؛ لأنه مباهت، والحق في هذه المسألة - وهو الإنصاف، والبعد عن جانب التعصب والاعتساف - أنهم كغيرهم لما قدمنا، مما إذا اعدته تحققت ما قلناه، ولقوله تعالى {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ}[التوبة: ١٠١]، وقوله تعالى {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}[آل عمران: ١٥٢]، مع قوله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ١٥}[هود: ١٥]، ولما روي في