الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار

صفحة 279 - الجزء 2

  وذهب حتَّى نزل بوادي السباع فلحقه ابن جرموز فقتله وأتَى علياً برأسه، فقال له علي #: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: «بشروا قاتل ابن صفية بالنار»، وروي أن أبا جرموز قال حينئذٍ: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، إن قاتلناكم فنحن في النار، وإن قاتلنا معكم فنحن في النار، وروي أنه أنشد:

  أتيت علياً برأس الزبير ... وقد كنت أرجو به الزلفة

  فبشر بالنار قبل العيان ... فبئس بشارة ذي التحفة

  فسيان عندي قتل الزبير ... وضرطة عنز بذي الجحفة

  وروي أن ابن جرموز كان ممن قتله أمير المؤمنين يوم النهروان.

  وأمَّا عائشة فقالت: إذا ذكرت يوم الجمل أخذت مني هاهنا - وأشارت إلى حلقها -، وروي أنها قالت: يا ليتني مت قبل الذي كان من شأن عثمان، وقالت: وددت أني ثكلت عشرة مثل ولد الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري الذي سرت فيه، وروي أنها كانت إذا ذكرت خروجها بكت، وقالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً.

  احتج الذين لم يحكموا بصحة توبتهم: بأن حربهم لأمير المؤمنين وبغيهم عليه معلوم قطعاً، وتوبتهم مروية من طريق الآحاد، فلا ينتقل من المعلوم من حالهم إلى المظنون.

  قال الإمام عز الدين: وهذا كلام يشكل الجواب عنه، لكن سوابقهم وما ورد فيهم مما يقضي بنجاتهم في الآخرة، يعضد ذلك الروايات وتشهد بصحتها ويقتضي العمل بها في حقهم والبناء عليها، وقد قال قاضي القضاة: إذا فرضنا أن توبتهم لم تتواتر فالظن كافٍ فيها.

  واستدل على ذلك: بأن من أظهر التوبة سميناه تائباً وحكمنا عليه بذلك، مع أنا لا نأمن أن ينطوي باطنه على خلاف ظاهره؛ إذ لا سبيل إلى العلم بأمر الباطن، وقد ضعف ما ذكره القاضي، ولا شك في ضعفه؛ لأنه لا يستوي حال ما علمنا منه إظهار التوبة والنطق بها وحال ما أخبرنا عنه الآحاد بذلك خبراً لا يقطع بصدقه.

  وأما كونه لا يقطع بمطابقة سر مظهر التوبة لإعلانه، فذلك ليس من فرضنا كما أنا نحكم بإسلام من أظهر الشهادتين وخصال الإسلام وإن جوزنا أنه لا يعتقد ذلك ولا ينطقه.