الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار
  قال #: والتحقيق أنا نقطع بما كان منهم من البغي ويغلب على الظن توبتهم وإنابتهم، ولا يقطع بذلك ويتوجه حسن الظن منهم لسابقتهم وما لهم من الفضائل، وما ورد فيهم من الأخبار القاضية بالفوز في الجنَّة والنجاة من النار، وينبغي إجلالهم وصيانتهم إكراماً لرسول الله ورعاية لمكانهم منه واحتراماً لجانبه العزيز الرفيع في حقهم، فلا يليق التجاسر عليهم ولا الحط من شأنهم، وأكثر ما ينتهي إليه المتحامل عليهم التوقف، وأمَّا النيل من الأعراض، وتصييرهم للرشق بألسنة الثلب والقدح كالأغراض، على نحو ما قاله السيد الحميري في عائشة:
  جاءت مع الأشقين في هودج ... تزجي إلى البصرة أجنادها
  كأنها في فعلها هرة ... تريد أن تأكل أولادها
  فلا يحسن ذلك، وإن كان مطابقاً لما وقع، {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٣٤}[البقرة: ١٣٤].
  قال والدنا عز الإسلام، بقية المجتهدين الأعلام، محمد بن عز الدين حفظه الله تعالى: والتحقيق أن الظنّ كاف في أمثال هذا، وأن الآحاد مقبولة فيه، ويشهد لذلك خبر سهل بن بيضاء فإنه خرج مع المشركين يوم بدر وكان يكتم إيمانه فأسر فشهد عبد الله بن مسعود أنه رآه بمكة يصلي فخُلِّي عنه، ومات بالمدينة وصلى عليه النبي ÷، ألا ترى أن العباس لما ادعى تلك الدعوى أجابه ÷ بقوله «ظاهرك علينا يا عم»، فقبل الأول للخبر، ولم يقبل العباس في حق نفسه، ولعله لعدم تحقق الإسلام حينئذ، ويعضده من جهة العموم ما رواه ابن عمر مرفوعاً «المسلمون كلهم عدل بعضهم على بعض إلا محدوداً في قذف» رواه الديلمي، وهو عند ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن شعيب، وقد روي عن عمر من قوله.
  وقد قال القاسم بن إبراهيم #: ولا يثبت الإيمان بحكمه ولا باسمه إلا لمن عُرف به، والمعرفة بذلك فلا تكون إلا بأحد وجوهٍ ثلاثة: إمَّا بعيان لذلك أو مشاهدة، وإمَّا بأخبار متواترة مترادفة، وإما بخبر من ذي ديانة وثقة وطهارة وأمانة، فمن لم تكن معرفة إيمانه بأحد هذه الوجوه لم يكن حقيقة إيمانه عند أحد.