الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار
  قلت: وإذا كان ذلك في الكفر فما ظنك بالفسق، وقال في الكشاف في قوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ}[الممتحنة: ١٠]، أي العلم الذي يبلغه ظناً فيكم، وهو الظن الغالب وظهور الأمارات، والظن يسمى علماً، ويدخل في قوله {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: ٣٦]. انتهى.
  وقد ذكر مثل هذا المهدي احتمالاً في التكملة، ولفظه: فأمَّا خبر الواحد العدل بإسلام أو فسق فالأقرب أنه لا يعمل به؛ إذ لم يعمل بخبر العباس وحده أن أبا طالب قد أسلم، ويحتمل جواز العمل به.
  قال شيخنا حفظه الله: يحتمل أنه لم يقبل قول عمه العباس لكونه كان حاضراً محضره، ولم يحصل معه قرينَة صدقه، أو لكونه كان كافراً حينئذ، وقد أفاد وأجاد في شرح التكملة في قوله: إن جاءكم فاسق بنبأ.
  (لا القاسطون) وهم معاوية وأصحابه سموا بذلك لجورهم ولما سبق، (وبعض المارقين) وهم الخوارج سموا بذلك لقوله ÷ «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة»، وهو خبر صحيح، ويلقبون بالخوارج لخروجهم على أمير المؤمنين اعتقاداً لوجوب ذلك عليهم، فإنَّه لا يقطع بتوبتهم ولا تُظن لعدم رواية التوبة منهم.
  أمَّا بعض المارقين فإنه روى رجوعَهم وانقيادَهم إلى الحق، أحمدُ والنسائي في الخصائص والبيهقي في حديث طويل من حديث ابن عباس، قال: لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار، وكانوا ستة آلاف، فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين: أبرد بالصلاة لعلي أُكَلِّمُ هؤلاء القوم، فقال: إني أخافهم عليك، قال: كلا فلبست ثيابي ومضيت، حتَّى دخلت عليهم في دارٍ فقالوا: مرحباً بك يا بن عباس، فقلت: أتيتكم من عند أصحاب النبي # أبلغكم ما يقولون وأبلغهم ما تقولون، فابتدت في نفر منهم، قلت: ما نقمتم على ابن عم رسول الله وختنه؟ قالوا: ثلاث، قالوا: حكم الرجال في دين الله، وقد قال تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}[الأنعام: ٥٧]، فذكر الحديث، وفيه أن بعضهم انقاد إلى الحق.
  (فأما المتوقفون) عن نصرته وهم سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، (فلا يفسقون على الأصح وإن قطع بخطئهم)؛ لأنهم لم يخذلوا الحق ولم ينصروا الباطل، والجهاد فرض كفاية، ولعلهم ظنوا قيام غيرهم مقامَهم.
  وقيل: يفسقون لتركهم نصرة أمير المؤمنين وخذلانهم له، وقد قال صلى الله عليه «واخذل من خذله».