(فصل): [في ذكر مراتب رواية الصحابي]
  الواسطة لما قدمنا في الثانية (خلافاً للقاضي) عبد الجبار، فزعم عدم احتمال الواسطة؛ لأنه أخبر بذلك على القطع، ولو قدر الواسطة لم يحصل القطع.
  قلنا: لا نسلم أنه أخبر على القطع؛ لأنه بنا على أن العدل إذا حرم شيئاً كان قاطعاً به، وذلك أمر علمي كما تقدم، وقد يجوز إخباره اتكالاً على إخبار عدل آخر.
  (وعند داود وغيره) من العلماء (أنه) أي قول الصحابي من رسول الله ÷ (ليس بحجّة إلاَّ أن يروي لفظه ÷) الذي نطق به بأن يقول: أمر رسول الله بكذا، فقال: كذا؛ لأنه إذا أتى لفظ الرسول ÷ لم يتطرف إليه شيء من الاحتمالات بخلاف ما إذا لم يأت به فإنه يتطرق إليه شيء منها (لاحتمال الواسطة) بين الصحابة وبين النبي ÷، وإذا احتمل الواسطة فمن لا يعدل الصحابة ولا يقبل المرسل يرده، (و) لاحتمال (العموم والخصوص) لأن قول الراوي أمر رسول الله بكذا ليس فيه لفظ يدل على أنَّه أمر الكل أو البعض دائماً أو غير دائم، فلا يجوز الاستدلال به إلا إذا ضم إليه قوله «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة».
  (و) لاحتمال (أن يعتقد ما) يشاهده من فعل أو سمعه من صيغة والحال أنه (ليس بأمرٍ أمراً، وما ليس بنهى نهياً) وليس كذلك لكثرة الخلاف والوهم فيه، كمن يعتقد أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وبالعكس، أو أن الفعل يدل على الأمر فيقول: أمر ونهى ولا يراه غيره أمراً ونهياً.
  (وأجيب بأنه) وإن احتمل ذلك فبعيد؛ لأنه (خلاف الظاهر)، والاحتمالات البعيدة لا تمنع الظهور، وإنما كان خلاف الظاهر؛ لأن الظاهر من حال الصحابي العدل العارف بلغة العرب أن لا يروى هذه إلا وقد عرف مراده ÷.
  قال (الشيخ) الحسن: (ويحمل) قول الصحابي أمر ÷ (على ثبوته بدليل قاطع من سماع) من النبي ÷ (أو تواتر) عنه؛ لأن ظاهر قوله أمر يقتضي القطع، ولا يتم إلا بأحد هذين.
  قلنا: لا يكفي فيه الظن.
  فإن قلت: لأن هذه الصيغ حجة، فلو أطلقه الراوي مع تجويزه خلافه لكان قد أوجب على الناس ما لا يجوز أن يكون واجباً عليهم، وذلك يقدح في عدالته.