(فصل): في بيان حكم مخالفة الصحابي للخبر
  قوله (غالباً) احترازاً عمن فعله وقوله حجَّة، كأمير المؤمنين # فإنَّه يتعارض قولُه وفعله فيعمد إلى الترجيح، وإن كان ذلك ظاهراً في الدلالة، (وحمله) أي الصحابي (على غيره)، كأن يحمل اللفظ على المعنى المجازي، والأمر على الندب دون الوجوب، (فالمختار وفاقاً للجمهور حمله على الظاهر) دون تأويل الصحابي، لجواز أن فعله لذلك بغلبة الظن، وقد صحت لنا الرواية عمن قوله حجة فلا يدفع لمن قوله ليس بحجَّة، قوله (غالباً) يحترز عما احترز به أو لا.
  (وفيه قال الشافعي: (كيف أترك الحديث لقول من لو عاصرته لحججته)) أي الصحابي؛ لأن فعله ليس بحجَّة.
  وقال (بعض الحنفيَّة بل يحمل على تأويله مطلقاً) لأنه بمشاهدته النبي ÷ أعرف بمقاصده، ولذلك حملوا رواية أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً على الندب؛ لأن أبا هريرة كان يقتصر على الثلاث في غسل الإناء من ولوغ الكلب.
  قلنا: فعل ذلك بظنه وليس لغيره اتباعه فيه.
  وقال (القاضي) عبد الجبار (وأبو الحسين: إن صار) الصحابي (إليه) أي التأويل (لعلمه بقصد النبي ÷) من قرينة شاهدها توجب حمله على التأويل ضرورة (وجب المصير إليه) أي إلى ذلك التأويل، (وإن صار إليه لدليل نظر فيه فإن اقتضاه) أي ذلك الدليل اقتضى ما ذهب إليه الراوي (فكذلك) أي وجب المصير إليه (وإلا) يقتضيه (فلا) يصار إليه؛ لأنه حينئذ قاله عن اجتهاد، واجتهاد الصحابي ليس بحجَّة.
  واحتج أبو الحسين على تفصيله: بأنه إذا لم يكن فيما يعرفه من النصوص ووجوه الاجتهاد ما يقتضي ذلك التخصيص فلا يخلو الراوي:
  إمَّا أن يكون قال ما قال لسهوه.
  أو لأنه اضطر إلى قصد النبي ÷ إلى التخصيص.
  أو لأنه سمع من النبي ÷ نصاً جلياً في خلافه.
  أو سمع نصاً محتملاً.