الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في الطرق المقبولة والمردودة والمختلف فيها]

صفحة 304 - الجزء 2

  وقال (الإمام) يحيى (والحفيد: يجوز العمل دونها) أي الرواية.

  لنا: ما ذكر في المجزي من أن رواية الحديث عن الغير تتضمن الإخبار أن ذلك الغير حدثه، فإذا لم يعلم ذلك لم يجز أن يخبر به؛ لأنه لا يأمن أن يكون خبره كذباً، والإخبار بما لا يؤمن أن يكون كذباً فيه محظور عليه في العقل والشرع، لحظور الكذب، وبمثل ما يعلم به قبح الكذب يعلم قبح الخبر الذي لا يأمن المخبر به أن يكون كاذباً فيه.

  قالوا أولاً: ثبوت العمل عن الصحابة في الشرائع والعبادات بما يروونه من كتب النبي ÷ من غير أن يرويها لهم راوٍ، بل عملوا عليه لأجل الخط؛ لأنه منسوب إلى النبي ÷، فإذا ثبت ذلك ثبت أن يروي الإنسان من كتاب إذا غلب في الظن سماعه، ويكون إخبار عن ظنه ويجوز العمل عليه.

  قلنا: إنما عمل على كتب النبي ÷ من حيث دلت الدلالة على وجوب العمل بها، وأن الظن منها يقوم مقام العلم، كما دل الدليل على وجوب العمل بأخبار الآحاد، وعلى وجوب الحكم شهادة الشهود إذا كانت لهم صفات مخصوصة، والموضع الذي دل الدليل على اتباع الظن فيه وإقامته مقام العلم لا يجوز أن يجعل أصلاً، وأن يحمل غيره عليه من دون دليل.

  قالوا ثانياً: إنه وإن لم يعلم أنه سمع ما في كتابه فإنه لا يمتنع أن يرويه إذا ظنّ ذلك فيكون الخبر متناولاً للظن دون العلم كتعديل الشهود.

  قلنا: حمل الرواية على تعديل الشهود وما يجري مجراه في إقامة الظن فيه مقام العلم لا يجوز لافتراقهما في العلة التي لأجلها جاز ذلك التعديل، وهي أنه لا سبيل فيما يجري هذا المجرى إلى العلم، وليس كذلك الرواية عن الغير.

  احتج الإمام والحفيد: بأن العمل إنما مستنده غلبة الظن، وهذا حاصل هاهنا، فأمَّا الرواية فلا بد فيها من أمرٍ وراء ذلك وهو القطع بمستند تجوز معه الرواية.

  قلنا: وكذلك العمل لا بد له من مستند، والمستند بها هاهنا بزعمكم باطل، فبطل المتوقف عليه؛ إذ لا يكفي في وجوب العمل الظن فقط؛ إذ لو ظن المجتهد أن الحق في المسألة كذا لا لدليل من خبر أو قياس أو اجتهاد إنَّما هو بالترجيح العقلي - وهو ممكن وجدان أي الثلاثة - لم يجز له العمل بظنه، والله أعلم.