[حقيقة القياس]
  مثاله: أن يكون المطلوب ربوية الذرة فيدل عليها بمشاركته للبر فيما هو علة لربوية البر من طعم أو قوت أو كيل، فإن ذلك دليل على ربوية الذرة، وربويتها هو الحكم المثبت بالقياس وثمرته.
  واعلم أن المراد بالاشتراك في العلة في الحد الاشتراك في نفس الأمر، فيختص بالقياس الصحيح، هذا عند من يثبت ما لا مشاركة فيه في نفس الأمر قياساً فاسداً، وأمَّا المصوبة وهم القائلون بأن كل مجتهد مصيب، فالقياس الصحيح عندهم ما حصلت فيه المشاركة (في نظر المجتهد، ولا يلزم المخطئة) وهم النافون أن كل مجتهد مصيب، بل المصيب واحد والمخالف مخطٍ، (زيادة القيد الآخر) وهو قوله في نظر المجتهد؛ لأنهم لا يرون ما ظهر غلطه ووجب الرجوع عنه محكوماً بصحته إلى زمان ظهور خلافِه كما يأتي للمصوبة، بل كان فاسداً، وتبين فساده، (بخلاف المصوبة) فإنه يلزمهم زيادة القيد الآخر (لأن قياسه) أي المجتهد (صحيح عندهم) سواء ثبت في نفس الأمر أو لا، حتَّى أنه (وإن تبين الغلط و) وجب (الرجوع) عنه فإنه لا يقدح في صحته عندهم، بل ذلك انقطاع الحكم لدليل صحيح آخر حدث وكان قبل حدوثه القياس الأوّل صحيحاً، وإن زال صحته، هذا إذا حددنا الصحيح وإذا أردنا دخول الفاسد معه في الحد لم يشترط المشاركة لا في الواقع ولا في نظر المجتهد.
  وقلنا: نسبة فرع بأصل، فإن كان الشبه الجامع حاصلاً فالنسبة مطابق، وإلاَّ فغير مطابق، وعلى كل تقدير فالمشبه إمَّا أن يعتقد حصوله فصحيح في الواقع أو في نظره، وإمَّا أن لا يعتقد حصوله ففاسد.
  وأورد على عكس الحد: أنه لا يتناول قياس الدلالة، فإن شرطه أن لا يذكر فيه العلة كما يأتي بيانه إنشاء الله تعالى؛ لأنه قسم قياس العلة، وله أمثلة ستقف على شيء منها إنشاء الله تعالى.
  ومنها ما يقال في المُكْرَه: يأثم بالقتل فيجب عليه القصاص كالمكره، فإن الإثم بالقتل ليس علة لوجوب القصاص.
  والجواب بوجهين: الأولَّ: أنه غير مراد لنا، ولا نعني بلفظ القياس إذا أطلقنا إلا قياس العلة ولا نطلقه على قياس الدلالة إلاَّ مقيداً، ولو أراده غيرنا باصطلاح آخر فلا يضرنا.
  والثاني: لا نسلم أنه لا مشاركة في العلة فإنه يتضمنها، وإن لم يصرح بها فإن المشاركة في التأثيم دلت على قصد الشارع حفظ النفس بهما وهو العلة، هذا الحد في قياس الطرد.
  (و) أمَّا (قياس العكس): فهو (تحصيل نقيض حكم الأصل في الفرع لافتراقهما في علة الحكم) قوله تحصيل نقيض حكم الأصل: يفصله عن الطرد، وذكر التحصيل إيماء إلى أنه لا بد فيه من العناية