الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في حجية القياس العقلي والتعبد بالشرعي]

صفحة 315 - الجزء 2

  أولها: العلة، وهي أقواها، ومثاله: قولهم في تقرير إثبات الصانع أن العلة في حاجة أفعالنا إلينا هي حدوثها، ثُمَّ ساق كلامنا.

  وثانيها: الحد، ومثاله: ما قاله الأكثر من قدماء الأشعرية من أن ماهية العالم عندهم: من له العلم، والله تعالى عالم لا إشكال، فيجب أن يكون ذا علم؛ لأن الماهيات لا تختلف شاهداً أو غائباً، فهذه طريقهم في إثبات العلم لله.

  وثالثها: الشرط، ومثالُه: ما قاله الأكثر من جماهير المعتزلة في إثبات الحيية لله تعالى، قالوا: قد تقرر أن الحيية هي شرط العالمية في الشاهد بحيث لا يعقل عالم غير حي، فإذا تقرر أن الله تعالى عالم فيجب أن يكون حياً.

  ورابعها: الدلالة، ومثاله: ما قاله المعتزلة استدلالاً على عالميَّة الله تعالى، فإنَّهم زعموا أن الأحكام دالة على العالمية في الشاهد، فإنهم قالوا: من رأيناه يحكم أفعاله ويأتي بها على جهة الإتقان فإنا نقضي بكونه عالماً لا محالة، فإذا تقرر أن في أفعال الله تعالى ما يزيد على إحكام كل محكم من الإتقان البليغ فيجب القضاء بكونه عالماً، لحصول دلالة العلم على أبلغ ما يكون في حقه، فهذه الأمور الأربعة هي الأمور الجامعة بين الشاهد والغائب، ثُمَّ قال:

  واعلم أن الذي عليه التحقيق من أئمة الزيدية والجماهير من المعتزلة ومحققي الأشعرية: أنَّ القياس غير جار في تقرير الأحكام العقلية، وغير مستعمل في إثبات المسائل الدينية، والقواعد الإلهية بحال، لكونه غير موصل إلى اليقين، ولا بالغاً مبلغ القطع، ولنشر إلى بطلان ما قالوه في تقرير العالمية، فنقول:

  سلمنا لكم أنَّ الإحكام دلالة العالمية في الشاهد، ولكنا نقول: دلالته على العالمية هل كان بنفسه أو باعتبار واسطة، فإن كان دالاً بنفسه على العالمية فقد حصل في حق الغائب فلا حاجة حينئذ إلى القياس، وإن كان دالاً مع اعتبار واسطة فلا بد من اعتبار تلك الواسطة ليوفَّى القياس حقه، وعند هذا يجب ذكر تلك الواسطة وإلا كان القياس مختلاً باطلاً. انتهى.

  وإن لنا على كونه حجة لأدلة: الأول: أنا وهو متفقون على انقسام القياس إلى قطعي وظني، فإذا كان كذلك فأي مانع من الاحتجاج بالقطعي في العلميات، وهل هذا إلا تخصيص له من بينها من غير وجهٍ.