الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 316 - الجزء 2

  الثاني: أن الله قد احتج به على الكفار وهو إنما يحتج بما يفيد العلم ويقطعهم فقال تعالى {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ٧٩}⁣[يس: ٦٨]، ونحوها كثير.

  الثالث: أنه لو لم يكن حجَّة في العقليات لم يكن حجة في الشرعيات، واللازم باطل.

  بيان الملازمَة: أنَّه مهما لم يثبت القياس العقلي لم يتصور الشرعي؛ إذ لا بد من أصل وفرع وحكم وعلة، فمهما لم يثبت لنا في العقليات لم يثبت في الشرعيات.

  وأيضاً فقد بينا فيما سبق أن لا طريق إلى إثبات الصانع إلاَّ القياس، فلو لا صحة النظر وإثبات التوحيد والعدل والنبوات لما صحت الشرائع، وقد ذهب الأقل إلى أنه متى علمنا حدوث العالم علمنا حاجته إلى المحدث ضرورة ونحو ذلك، فلا احتياج إلى الاحتجاج على ذلك المحدث بالقياس، ولما ذكرناه بثمان وأطراف وله في علم الكلام تقرير وافٍ.

  (و) إذا تبين ذلك فاعلم أنه قد (اختلف في التعبد بالشرعي) وهو أن يوجب الشارع على المجتهد العمل بمقتضاه (فعند المنصور وأبي الحسين والشيخ) الحسن (وحفيده والقفال: يجب عقلاً وسمعاً) الظاهر أن الضمير في يجب عائد إلى البعيد، فيكون المعنى يجب على الله إيجابه عقلاً وسمعاً.

  لكن أنت خبير بأن هذا خلاف ما قال الحفيد والشيخ الحسن، وحكاه الإمام وصاحب العقد عن أبي الحسن والقفال، وحكاه صاحب الجوهرة أيضاً عن أبي الحسين، فإنهم إنما ذكروا أنه يستدل على وجوب العمل بالقياس بالعقل والسمع، ثُمَّ إنه وإن تمشى في العقل لم يتمشَّ في السمع ولم يتمش في مقابله في قوله: وعند جمهور أئمتنا والمتكلمين يجب سمعاً، فكلام المؤلف لا يخلو في هذا المقام عن أود واضطراب، ولا بد أن يكشف عنه إنشاء الله تعالى النقاب، فنقول:

  اختلفت الروايتان عن أبي الحسين والقفال، فروى عنهما ابن الحاجب أنهما إنما يقولان يجب على الشارع إيجاب العمل بالقياس عقلاً، مستدلين بأن الأحكام لا نهاية لها، والنص لا يفي بها فيقضي العقل بوجوب التعبد بالقياس؛ لئلا تخلو الوقائع عن الأحكام.

  وأجيب - بعد تسليم وجوبٍ أن يكون لكل واقعة حكم -: أنه يكفي التنصيص بالعمومات المندرج تحت كل منها ما لا يتناهى من الجزئيات، مثل: كل مسكر حرام، وكل مطعوم ربوي، وكل ذي ناب حرام، وذلك وإن لم يكن واقعاً فإن جواز العمومات مستلزم جواز ترك القياس، وهو معنى عدم الوجوب، وفي الجواب نظر.