الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  آحاد فالقدر المشترك وهو أن الصحابة كانوا يعملون بالقياس قد تواتر، ولا يضر عدم تواتر كل واحد كما في شجاعة علي، وهذا تمسك بدليل قاطع يدل على ثبوته الإجماع القاطع، والأول تمسك بنفس الإجماع، فلا يشم أحدهما رائحة الآخر.
  فإن قيل: الوجهان إنما يفيدان القطع بوقوع العمل بالقياس، والمطلوب القطع لوجوب العمل به، لما سبق من أنَّ المعنى التعبد بالقياس إيجاب الشارع العمل بموجبه.
  قلنا: لما ثبت القطع بكون القياس حجَّة ثبت المطلوب؛ لأن العمل بما حصل القطع بحجتيه واجب قطعاً.
  ولنعدّ تفصيلاً لما أجملنا في الدليلين عدة صورٍ ممَّا عمل الصحابة فيه بالقياس:
  فمن ذلك: رجوع الصحابة إلى أبي بكر في قتال بني حنيفة على أخذ الزكاة، بماذا يرى فيه بالاجتهاد، وكانوا مختلفين فيه، فمنهم من رأى المسالمة لقرب موت الرسول # وآله والإنكسار الحاصل في المسلمين بسببه، ومنهم من رأى القتال كعلى ترك الصلاة لئلا نحس منهم بالضعف والإنكسار فيطمع فيهم، وكان ممن يرى القتال أبو بكر فتبعوا اجتهاده.
  قال الآمدي: فقاسوا خليفة رسول الله على رسول الله في وجوب أخذ الزكاة لأرباب المصارف.
  ومن ذلك: ما روي من الاختلاف في توريث الجد مع الأخوة، فقضى فيه أبو بكر وابن عباس بأنه يسقط الأخوة قياساً على ابن الابن، فحكما أن ابن الابن بمنزلة الابن في جميع الأحوال عند عدم الابن، كذلك الجد يكون بمنزلة الأب في ذلك عند عدم الأب، وقضى فيه مولانا أمير المؤمنين بأنه يقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة عن السدس، لأن له ولادة بواسطة، فأشبه الجدة، وقضى فيه ابن مسعود وزيد بأنه يقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث، قياساً على الأم بجامع أن له ولادة، فله الثلث كما أن لها الثلث.
  وفي مسألة الحرام: وهي أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي حرام، ولم يكن له نية فعند أمير المؤمنين وزيد أنه كالتثليث فلا تحل له حتَّى تنكح زوجاً غيره؛ لأن الثلث غاية الاستمتاع بين الزوجين، ولفظ التحريم يفيد غاية ما يقع من ذلك، وقريب من ذلك قول من قال: إنه تطليقة باينة، ومن جعله تطليقة رجعية قال: بالطلاق يحصل تحريم الإستمتاع، فكان كالطلاق.