الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 319 - الجزء 2

  وفي مسألة المشتركة: وهي المسماة بالحمارية، وهي أن تموت امرأة عن زوج وأم وأخوين لأم وأخوين لأبٍ وأم، فميراثها للزوج النصف، وللأم السدس ولا خلاف في ذلك، وأمَّا الثلث الباقي فجعله أمير المؤمنين للأخوين من الأم دون الأخوين لأبٍ وأم؛ إذ لا حق للعصبة من الميراث إلا ما أبقت السهام كما ورد بذلك الأثر عنه ÷، وجعله عمر بين الأربعة أرباعاً لاشتراكهم في ولادة الأم، لما قال الأخوان لأبٍ وأم - حين أراد أن يخص به الأخوين لأم -: هب أن أبانا كان حماراً، واشتراكهم في الثلث سميت المشتركة، ولعروض ذكر الحمار لقبت بالحمارية.

  ومن هذا: أن أبا بكر ورث أمّ الأم دون أم الأب، فقيل له: تركت التي لو كانت هي الميتة ورثت جميع ما تركت؛ لأن ابن الابن عصبة، وابن البنت لا يرث.

  وحاصله: أن هذه أقرب فهي أحق بالإرث، فرجع أبو بكر إلى التشريك بينهما في السدس.

  ومنه: أن عمر ورث المبتوتة في مرض الموت بالرأي.

  ومنه: أن عمر شك في قتل الجماعة بالواحد، فقال له علي: أرأيت لو اشترك نفر في سرقة أكنت تقطعهم؟ فقال نعم؟ فقال: فكذا هنا، فرجع إلى علي # وحكم بالقتل، وغير هذا مما لا يحصى، ولسنا هنا لإحصائها بل للتفهيم والتعليم.

  فإن قيل: الدليل فاسد الوضع، فإن هذه المسألة قطعية وما ذكرتموه أخبار آحاد لو صحت فغايتها الظن، سلمنا صحة وضعها، لكن لا نسلم دلالتها، فإنها تدل على العمل بالقياسات المذكورة، ولعل العمل فيما ذكرتم من الصور لغيرها، وهو اجتهاد في دلائل النصوص لخفائها، كحمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، وإثبات المفهوم، ودلالات الإيماء، وتنقيح المناط ونحوها مما يتعلق بالأدلة النصية، سلمنا دلالتها على عملهم، لكن لا نسلم دلالة عملهم على وجوب العمل؛ لأن العاملين بعض الصحابة فلا يكون فعلهم دليلاً، سلمنا أن فعلهم دليل ولكن ذلك إذا لم يكن نكير، ولا نسلم نفي الإنكار، غايته عدم الوجدان، ولا يدل على عدم الوجود، سلمنا عدم الإنكار ظاهراً، لكنه لا يدل على الموافقة؛ إذ لعلهم أنكروا باطناً ولم يظهروا، لما مر في الإجماع السكوتي من الأسباب الداعية إلى السكوت، سلمنا دلالة علمهم بها على كونه حجة، لكنها أقيسة مخصوصة، فمن أين يلزم مدعاكم؟ وهو وجوب العمل بكل قياس، ولا سبيل إلى التعميم إلا القياس، وفيه المصادرة على المطلوب.