(فصل): [في حجية القياس أقطعية أم ظنية؟]
  (والتحقيق أنَّ الخلاف) بين مثبتي القياس والنافي له (في اعتقاد كونه حجة) لا في العمل به، (واعتقاد كونه حجة علمي، فلا يثبت إلاَّ بقاطع) لأن إثبات الأمور العلمية بالظني لا يجوز.
  (و) اختلف القائلون بحجيته هل يفسق منكره، والمختار أنه (لا يفسق منكره، خلافاً للباقلاني) فقال: نحن نفسق نفات القياس لمخالفة الإجماع الصادر عن الصحابة، ولا نعدهم من علماء الشرع ولا نبالي بخلافهم.
  وكذا قال الغزالي لا يعتد بخلافهم، قال: ومن رده فهو مقطوع بخطائه من جهة النظر محكوم بكذبه، وإنما قلنا أنه لا يفسق منكره، (إذ لا دليل) يدل على الفسق كما في الإجماع، (وإن قطع بخطائه) لمخالفة القواطع كما في غيره من المسائل، ألا ترى إلى مسألة الإمامة فإنه لا يفسق من أنكر أن علياً هو الإمام بعد رسول الله ÷ من المعتزلة عند أكثر الزيدية وإن كان الدليل عليها قطعياً.
[هل القياس مأمور به أم لا؟]
  واختلف في القياس هل هو مأمور به أو لا، أو يفصل في ذلك؟:
  (والمختار وفاقاً للقاضي) عبد الجبار (و) إسماعيل (ابن علية و) أبو العباس (ابن سريج أنه) أي القياس (مأمور به) اعتماداً على قوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ٢}[الحشر: ٢]، والاعتبار هو قياس الأمر بالأمر، وإثبات مثل حكم محل في محل آخر، ومنه الاعتبار بمعنى الاتعاظ، فإنه فرض لما ينزل بالغير في حق نفسه.
  وقال قوم: لا يكون موصوفاً به اعتماداً على الاستدلال بالسنة والإجماع؛ لأن الوارد فيها مما يدل على القياس صيغته صيغة الخبر، أو فعلهم لذلك والسكوت عند فعل البعض وشيء من ذلك غير أمر.
  وقال (الشيخ) الحسن (إن أريد) بكونه مأموراً به (أن الله بعثنا على فعله) بالأدلة (فهو كذلك) مأمور به؛ لأنا قد قررنا وجه الدلالة عليه ببراهين باهرة، وأدلة قاهرة، (وإن أريد) بكونه مأموراً به (أنه أمرنا بصيغة الأمر فمحتمل) لذلك ولعدمه، لأن الاعتبار قد يستعمل في الاستدلال بالأدلة العقلية، مثل ما يقال في إثبات الصانع اعتبر بالذات هل يمكن حدوثها من غير صانع، فما ظنك بالعالم كما يستعمل في القياس فلا يقطع أنه أراد القياس.