الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في حجية القياس أقطعية أم ظنية؟]

صفحة 329 - الجزء 2

  ويستعمل أيضاً في معنى آخر وهي الاتعاظ، فلذلك حصل التردد، بل الحق ما ذكره بعض المحققين أنه ظاهر في الاتعاظ لوصفه له ولغلبته فيه.

  فإذا قيل: اعتُبِر بهذا الرجل، فهم منه اتعظ به، ومنه العبرة لما يتعظ به المتعظ، قال الشاعر:

  ما مر يوم على حي ولا ابتكرا ... إلا رأى عبرًة فيه إن اعتبرا

  سلمنا، لكنه ظاهر في القياس في الأمور العقلية كما تقدم، فأمَّا القياس الشرعي فلا يسمى اعتباراً، فإنه إذا قيل: اعتبر لم يفهم قياس الذرة على البر لا بعموم ولا بخصوص، هذا مع أن اعتبروا من الأمر - أعني صيغة إفعل - لفظ أمر محتمل للوجوب ولغيره من المعاني، وللمرة والتكرار، ولعموم المفعولات وللإطلاق وللخطاب مع الحاضرين فقط، أو معهم ومع غيرهم، وكثر الخلاف في كل واحد منها مع جواز التجوز اتفاقاً، وإن خالف الأصل فظن وجوب العمل للكل بكل قياس في كل زمان لو حصل به لقي غاية الضعف، فلا يصح به إثبات مثل هذا الأصل.

[هل القياس من أصول الفقه؟ وهل هو من الدين؟]

  واختلف فيه أيضاً هل يوصف بأنه من أصول الفقه أو لا؟

  (و) المختار (أنه من أصول الفقه) لصدق حد أصول الفقه عليه؛ لأنه من القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيليَّة، (خلافاً للجويني) فزعم أنه ليس من أصول الفقه، وإنما بُيِّنَ في كتبه لتوقف غرض الأصولي من إثبات حجته ليوقف عليها الفقيه على بيانه.

  واختلف في القياس هل هو دين أو لا؟

  فلا بد من تحرير محل النزاع ليتوارد النفي والإثبات إلى محل واحدٍ فنقول:

  لا نزاع في أنه يقال له ذلك: إذا أريد به أنه ليس ببدعة، وإنما النزاع إذا أريد به غير ذلك:

  (و) المختار أنَه (من الدين مطلقاً) أي سواء كان واجباً أو مندوباً بناء على أن اسم الدين يطلق على ما كان واجباً أو مندوباً؛ لأن الدين في الاصطلاح: ما سمي به العبد مطيعاً استمر أو لم يستمر، (خلافاً لأبي الهذيل) فزعم أنه لا يوصف بكونه من الدين بناء على أن اسم الدين لا يطلق إلا على ما كان ثابتاً مستمراً كاعتقاد التوحيد والصلاة وغير ذلك، قال الشاعر:

  تقول وقد ذكرت لها وظيني ... أهذا دينه أبداً وديني