الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في حجية القياس أقطعية أم ظنية؟]

صفحة 330 - الجزء 2

  أي أهذا دائبه الذي يستمر عليه ودائبي، والقياس لا استمرار فيه، فلا يطلق عليه اسم الدين.

  وأجيب: بأنا لا نسلم أن الدين في الاصطلاح ذلك، بل هو الطاعات لقوله تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٨٥}⁣[آل عمران: ٨٥]، والمعلوم أن الطاعات مقبولة من فاعلها سواء كانت مستمرة أو غير مستمرة، وأيضاً فالإجماع منعقد على أن المندوب دين الله وهو لا يجب استمراره، فانهار أصل أبي الهذيل الذي عوَّل عليه، فبطل قوله، لفساد ما استند إليه وهو المطلوب.

  وقال (أبو علي: واجبه منه لا مندوبه) بناء على أن الدين لا يطلق إلا على ما كان واجباً، فحيث يكون واجباً يوصف بالدين، وحيث لا فلا.

  (وقد يكون) القياس (واجباً على الأعيان) وذلك في حق من نزلت به حادثة من المجتهدين في حكم أو فتوى ولم يجد أحداً يسد مسده في ذلك وضاق الوقت.

  (و) قد يكون واجباً (على الكفاية) وهذه كالوقائع والحوادث التي تحدث ويكون في الزمان جماعات من العلماء والحكام، فإنها واجبة عليهم على جهة الكفاية، فأي واحد منهم أفتى فيها أو حكم فيها بحكم جاز ذلك، وخلص الآخرون عن درك الوجوب كسائر الأمور الواجبة على الكفاية.

  (و) قد يكون (مندوباً) وهو (فيما) كان من الأقيسة غير حادث لكنه (يُجَوَّزُ حدوثه) فإن الخوض فيه يكون ندباً كما فعله كثير من الفقهاء في مسائلهم، فإنهم تكلموا في أمور غير واقعة وقدروا حدوثها، هذا غاية ما يمشي به كلام المؤلف، وهو في ذلك تابع لصاحب الجوهرة والإمام يحيى.

  قال القاضي فخر الدين في اللؤلؤ: وفيه نظر؛ لأن تعلم العلم جميعه فرض على الكفاية⁣(⁣١)، مالم تنزل الحادثة ويتضيق وقتها فحينئذ، يكون فرض عين على المتمكن من الاستدلال عليها إذا


(١) قد يقال للقاضي عبد الله: ماذا أردت بقولك: إن تعلم العلم فرض كفاية؟ هل أردت أن كل مسألة يجوز حدوثها أو قد حدثت يجب على بعض المكلفين النظر فيها؟ لزمك أن كل مجتهد يجوز حدوث أي مسألة يمكن النظر فيها، يجب عليه أن يجتهد فيها، ما لم يعلم أن غيره قد حصلها، كما هو قاعدة فرض الكفاية، وهذا مما لا قائل به، وإن أردت أن العلم فرض كفاية، أي الآلة التي يحتاج إليها عند حدوث الحادثة، فهذا مسلم، ويكون استعجاله بالنظر في تلك الحادثة مندوباً، إذا لم يحتج إليها، وهو مراد المؤلف، فيحقق ما قاله القاضي. تمت من هامش النسخة (أ).