الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  (خلافاً للحنفية) فقالوا: إن في الشرع جملاً من الأحكام يمتنع فيها القياس بالدلائل العامة كما في الحدود والأسباب مثلاً من غير احتياج إلى تفصيل آحادها، وبيان امتناع القياس فيها وما سواها يحتاج إلى النظر في تفاصيله.
  إذا عرفت المذهب المختار (فيجوز) القياس فيما يجري فيه من مسائل الفروع (وإن لم يضطر إليه) بأن يكون في حادثة يجوز حصولها ولا نص فيها كما تقدم في القياس المندوب، وقوله (على الأصح) إشارة إلى خلاف ابن عبدان فإنه أجاز ما اضطر إليه للحاجة، ومنع مالم يضطر إليه لانتفاء فائدته.
  قلنا: فائدته العمل به فيما إذا وقعت تلك المسألة.
  ويجوز القياس (في غير الجلي) وهو الخفي لإفادته الظن فكان دليلاً معمولاً به (خلافاً لداوود) فإنه أجاز الجلي من القياس، وهو الصادق بقياس الأولى والمساوي ودون الخفي، واقتصر صاحب الجمع في شرح المختصر على أن داوود لا ينكر قياس الأولى، وظاهر حكاية ابن الحاجب أن داوود من القائلين بجواز التعبد بالقياس دون الوقوع وكذلك حكاية البيضاوي، قال الأسنوي: وما ذكره مخالف لما في الحاصل والمحصول، فإن المذكور فيهما أن داوود وأصحابه قالوا: يستحيل عقلاً التعبد بالقياس، قال: لكنه موافق لما نقله عنه الغزالي وإمام الحرمين. انتهى.
  قلت: والمصنف اتبع في حكايته عن داود صاحب الجمع.
  (و) يجوز القياس (في الحدود) وإذا جاز فلا مانع من الوقوع، وذلك (كإيجاب الحد على اللائط قياساً على الزاني) بجامع الإيلاج المحرم، فإن هذه هي العلة في حد الزنا، أو بجامع قصد الإنزجار كما يوجب تضييع الماء المقتضي إلى تضييع النسل.
  (و) يجوز القياس أيضاً (في الكفارات) وإذا جاز فلا مانع من الوقوع، وذلك (كإيجاب الكفارة على المفطر بالأكل في رمضان قياساً على المفطر بالجماع) بجامع هتك حرمة الصوم لمستهتر.
  (و) يجوز أيضاً (في الرخص) وإذا جاز فلا مانع من الوقوع، وذلك (كالمفطر في سفر المعصية قياساً على سفر الطاعة) بجامع المشقة الحاصلة فيهما على سواء.
  (و) يجوز القياس أيضاً (في المقادير) وهي أنصبة الزكاة والحدود والديات، وإذا جاز فلا مانع من الوقوع، وذلك (كتقدير نصاب الخضروات) وهي ما أخرجته الأرض غير المكيل (ونحوها) كالجواهر والمستغلات (بمائتي درهم قياساً على أموال التجارة) بجامع كون كل واحدٍ منهما مالاً