الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 334 - الجزء 2

  قيمياً لا نصاب له في نفسه يرجع إلى قيمته، (وثبوت حكم الفرع في هذه الأربعة) التي هي الحدود والكفارات والرخص والمقادير (بالقياس) للفرع على الأصل؛ لأن الدليل الدال على حجية القياس ليس مختصاً بغير هذه، بل هو متناول لها جميعاً لعمومِه، فوجب العمل به فيها.

  ومن صور اتفاق الصحابة على العمل بالقياس: أنهم حدوا في الخمر بالقياس حيث تشاوروا فيه، فقال أمير المؤمنين #: (إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فأرى عليه حد الافتراء)، فأقام مظنة الشيء مقامَه كتحريم مقدمات الزنا حيث كانت مظنة له، فقام دليلاً في الحدود بخصوصه كما دل على حجية القياس من غير تفرقة، فتقرر أنَّه بالقياس (لا بالإستدلال على موضع الحكم بحذف الفوارق الملغاة) بأن يقال مثلاً: النص قد دل على وجوب الحد في الزنا ولا فرق بين اللياط وغيره إلاَّ كون اللياط في دبر الذكر والزنا في فرج المرأة، وهذا الفارق ملغىً في الشرع، فيجب حذفه فيتناول النص كلا المعنيين؛ لأن هذا إنما يكون إذا كان الأصل معللاً بما به الاشتراك دون ما به الافتراق، فيلغى ما به الافتراق ويبقى ما به الاشتراك، وليس كذلك بل حكم الفرع ثابت بالقياس نفسه؛ لأنه جمع بين الأصل والفرع بعلة الأصل المعقولة كما تقرر؛ لأنه قياس من حيث المعنى لوجود شرائط القياس فيه ولا غيره بالتسمية.

  وكذا مثلاً قد دل على وجوب الكفارة على المفطر بالنكاح ولا فرق بين النكاح وغيره من الأكل والشرب في الإفطار، إلا كون النكاح إيلاج فرج في فرج، والأكل ازدراد وابتلاع لغير المائع والشرب ابتلاع للمائع، وهذا الفارق ملغى في الشرع ... الخ، وكذا في بقية الأمثلة.

  (خلافاً للحنفية) فإنهم زعموا أن هذه المسائل ليست ثابتة بالقياس، بل بحذف الفوارق كما تقدم، وقد ذكر الشافعي ¦ مناقضة الحنفية في هذا الباب، فقال:

  أمَّا الحدود: فقد كثرت أقيستهم فيها حتَّى تعدوها إلى استحسان، فإنهم زعموا فيما إذا شهد أربعة على شخص بأنه زنا بامرأة وعَيَّنَ كل شاهد منهم رؤية أنه يحدُّ، استحساناً مع أنه على خلاف العقل؛ فلأن يعمل فيه بما يوافق العقل أولا.

  وأمَّا الكفارات: فإيجابهم لها على قاتل النفس عمداً بالقياس على المخطئ، ولأنهم أوجبوا الكفارة في الإفطار بالأكل قياساً على الإفطار بالجماع، وفي قتل الصيد ناسياً قياساً على قتله عمداً، مع تقييد النص بالعمد في قوله {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}⁣[المائدة: ٩٥].