الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  وأمَّا المقدرات: فقد قاسوا فيها حتَّى ذهبوا إلى تقدير أنهم في الدلو والبئر يعني أنهم فرقوا في سقوط الدواب إذا ماتت في الآبار، فقالوا في الدجاجة ينزح كذا وكذا، وفي الفأرة ينزح أقل من ذلك، وليس هذا التقدير على نص ولا إجماع فيكون قياساً.
  وأمَّا الرخص: فقد قاسوا فيها وبالغوا حتَّى كان الاقتصار على الأحجار في الاستنجاء من أظهر الرخص، ثُمَّ حكموا بذلك في كل النجاسات نادرة كانت أو معتادة، وانتهوا فيها إلى نفي إيجاب استعمال الأحجار، وقالوا: العاصي بسفره يترخص فأثبوا له رخصة بالقياس، مع أنَّ القياس ينفيها؛ لأن الرخصة إعانة والمعصية لا تناسب الإعانة.
  قالوا: قال ÷ «ادرءوا الحدود بالشبهات»، واحتمال الخطأ في القياس شبهة، فيجب أن يدرأ به الحد، والكفارات على خلاف الأصل لكونها منفية بالنص النافي للضرر لإنهاضرر، والرخص منح الله فلا تعدى بها مواضعها، والمقدرات لا يهتدى إليها بالعقول.
  قلنا: هذه لا تشكل بالمسائل التي ذكرها الشافعي، ثُمَّ نقول: هذه الأدلة حصلت بخبر الواحد فإنه يجوز إثبات هذه الأشياء بخبر الواحد مع أنه لا يفيد العلم، وما لأجله صار الخبر الواحد مخصصاً لها قائم في القياس الخاص، فوجب تخصيصها بالقياس.
  (و) يجوز القياس (فيما ليس الفرع فيه أولى بالحكم) من الأصل بل هو إمَّا مساوٍ: كقياس العبد على الأمة، أو دونه: كقياس النبيذ على الخمر في التحريم، (خلافاً للقاساني) وهو بالقاف والسين المهملة منسوب إلى قرية من قرى الترك، (والنهرواني) فقالا: لا يجوز القياس إلا فيما يكون فيه الفرع أولى بالحكم من الأصل كقياس الضرب على التأفيف، وزاد صاحب المنهاج حيث كانت العلة منصوصة.
  قال الإمام في القسطاس: ومثاله قوله # وآله «لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثُمَّ يتوضى فيه».
  قالوا: فإنه يلحق بهذا ما هو في معناه، وقالوا: إن الذي يكون في معناه ما لو بال في كوز ثُمَّ صبه في الماء الراكد فإن هذا يكون داخلاً تحت النهي، وزاد الإمام يحيى في القسطاس موافقتهما لنا فيما إذا كانت العلة منبهاً عليها كالأسماء المشتقة، كقوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}[المائدة: ٣٨]، وقوله {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}[النور: ٢]، ونحو ورود الفاء في الأمور المستثنية كقول القائل: سهى رسول الله فسجد، وزنا ماعز فرجم، ولمذهبهما تنزيلات: