الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 340 - الجزء 2

  لنا: أن العلة الشرعية إنما هي وجه المصلحة، والمصلحة داعية إلى فعل واجبٍ، أو مسهلة، أو صارفة عن قبيح، أو مسهلة لتركه، فلا يلزم فيما دعى إلى أمرٍ وسهله أن يدعو إلى مثلها أو يسهلها، وكذلك ما صرف عن شيء أو سهل تركه لا يلزم أن يصرف عن مثل ذلك الشيء أو يسهل تركه، بل يجوز ذلك ويجوز خلافه كما يجوز النص باختلاف حكم النظيرين، وإذا جوزنا كلى الأمرين لم يجز لنا القطع بالحكم حيث وجدت العلة المنصوص عليها، وبهذا مع ما تقدم يعرف أنه لا وجه للفرق بين ورودها مع الأمر والنهي كما ذهبَ إليه أبو عبد الله؛ إذ الترك كالفعل في التعبد فيهما سواء فيما دعى أو صرف أو سهل.

  احتج أبو الحسين ومن معه: بأنه لا فرق في قضية العقل بين أن يقول الشارع: حرمت الخمر لإسكارها، وقوله: حرمت كل مسكر، والثاني يفيد عموم الحرمة لكل مسكر، فكذا الأول وهو المطلوب.

  قلنا: لا نسلم عدم الفرق وإلا لزم من قوله: أعتقت غلاماً لسواده، عتق كل أسود من عبيده، وانتفاء ذلك مقطوع به.

  لا يقال: لا نسلم لزوم العتق هنا؛ لأن الحق حق آدمي، ولا يثبت إلاَّ بصريح، وهذا غير صريح، بخلاف حق الله، فإنه يثبت بالصريح والإيماء لإطلاعِه على السرائر.

  لأنا نقول: ذلك في غير العتق، والعتق يحصل بالصريح وبالظاهر، إمَّا لتشوق الشارع إليه، وإمَّا لأن فيه حقاً لله؛ لأنه عبادة لله.

  احتج أبو عبد الله: بأن من ترك أكل شيء لأذى دل على ترك كل مؤذ، بخلاف من تصدق على فقير لفقره أو للمثوبة، فإنه لا يدل على تصدقه على كل فقير أو تحصيل كل مثوبة.

  قلنا: إنَّ ذلك لقرينة التأذي وكون ترك المؤذي مطلقاً مذكوراً في الطباع، وخصوصية ذلك المؤذي ملغاة عقلاً، بخلاف الأحكام فإنها قد تختص بمحالها لأمور لا تدرك.

  احتج النظام ومن معه: بأن الوالد إذا قال لولده والسيد إذا قال لغلامِه: لا تأكل هذا الطعام لأنه مسموم، فإنه يفهم منه المنع من كل مسموم، (لأنه كالمنصوص عليه) إذ لا فرق في اللغة بين لا تأكل الطعام لأنه مسموم، وبين لا تأكل كل مسموم.

  قلنا: فهم التعميم لقرينة شفقة الأب والسيد وما علم منها أنها تقتضي عادة النهي عن كل مضر، بخلاف أحكام الله فإنها تختص ببعض المحال دون بعض لأمر لا يدرك.