الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في أركان القياس]

صفحة 342 - الجزء 2

  الخمر بدليل قوله: حرمت الخمر، فالأصل هو الخمر؛ لأنه المشبه به، أو حرمت لأنه دليله، أو الحرمة لأنها حكمه، أو الإسكار لأنه العلة الثابتة في الخمر.

  قال (أبو الحسين: وإذا كان الأصل) في اللغة (ما يبنى عليه غيره، فلا بُعد في الجميع) من هذه الأقوال؛ لأن الحكم في الفرع يبتني على العلة، ويبنى على الحكم في الأصل، والحكم في الأصل على ما حده ومحله، فالكل مما ينبني عليه الحكم في الفرع ابتداء أو بواسطة، فلا بُعد في التسمية، ولذلك اختير - وهو الصحيح - أن الجامع أصل للحكم في الفرع، والحكم فرع له أو يعلم ثبوته بثبوته، وفي الأصل بالعكس، فإن الحكم أصل للجامع والجامع فرع له؛ إذ يستنبط من الحكم في الأصل بعد العلم بثبوته، وأما في الفرع فالحكم هو المبني والمحل، ثُمَّ سمي به مجازاً.

  وإنما قلنا إنه الصحيح، لأن فيه حقيقة الإنباء وفيما عداه لا بد من تجوز وملاحظة واسطة له تظهر بالتأمل.

  وقولنا: إذ يستنبط بناء على الأعم الأغلب وإلاَّ فقد تكون العلة منصوصة.

  (والحكم لغة: المنع) وقد تقدم شرحه (واصطلاحاً: ما أثرت فيه العلة) من وجوب أو ندب أو إباحة أو كراهة أو حظر، (ويسمى) الحكم (في الأصل) المقيس عليه (معللاً) كالتحريم في الخمر، فإنه معلل بالإسكار، وكتحريم التفاضل في البر مثلاً فإنه معلل، (وأمَّا قولهم ويسمى في الفرع معلولاً، فوَهَمٌ) بل الصواب أن يقال: معلل سواء كان الحكم في فرع أو في أصل، من عَلَّلَ الحكم بكذا، فهو مُعَلّل، مثل كَلَّلَ فهو مُكلل، وقلّل فهو مقلل، ولعن الله المحلل والمحلل له ونحوها، والأصوليون يقولون بالعلة والمعلول، وكذلك المحدثون يسمون الحديث الذي عرضت له علة توجب ضعفه أو رده معلولاً، وهذا لحن كما ذكره المحدثون وحكوه عن أئمة العربية والذي يقتضيه قانون العربية أن يقال على اصطلاحهم معل بالإدغام؛ لأنه من أعل بكذا فهو معلّ، مثل أحلّ فهو محل، وأدل فهو مدل، وهذا من العلة التي هي الآفة بخلاف قول الأصوليين، فظهر أن قول المحدثين والأصوليين معلول لحن إذا لم يقل في الحكم عل بمعنى علل، ولا في الحديث عل بمعنى أعل، أي أصيب بآفة، وإنما قالوا: عل من الماء، بمعنى شرب منه الشرب الثاني، فالماء معلولٌ منه، كما قال كعب بن زهير:

  تخلو عوارض ذي ظلم إذا انقسمت ... كأنه منهل بالراح معلول