الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  بطريقة السبر فلم نجد له علة إلاَّ كونه أضاف وجود الظلم إليه، فقسنا عليه من وصفِه بأنه موجد الظلم لحصول تلك العلة، وفَسَّقُوا غاصب عشرة دراهم قياساً على سارقها بجامع الاستضرار.
  وقد يجاب في هذا: بأنا لا نقطع أن العلة الاستضرار، فإن من سرق عشرة يقطع وإن لم يتضرر المسروق عليه بذلك.
  (خلافاً للمؤيد) بالله (وأبي هاشم والملاحمية والمتأخرين: بناء على أنه ظني) لما ستقف عليه، فلا يصح إثبات العلمي به، (فلذلك منعوا إثباتهما) أي التكفير والتفسيق (به) أي بالقياس؛ إذ هما لا يثبتان إلاَّ بقاطع.
  قال في الغايات: واعلم أنه لا شبهة في أن قياس الأولى يُكفر ويفسق به بالاتفاق.
  مثال ذلك: أن نعلم أن الشك في الله وفي النبي ذنبان، لكن الشك في الله تعالى أعظم، فإذا علمنا بدليل سمعي أن الشك في النبي كفر قسنا عليه الشك في الله تعالى، وقطعنا أنَّه كفر، وإنما الخلاف فيما يعلم فيه أنه ذنب كفراً أو فسقاً بدليل سمعي، ثُمَّ تستنبط العلة الموجبة لكونه كفراً أو فسقاً استنباطاً لا بنص ولا إجماع، ثُمَّ نعمد إلى ذنب آخر لا نعلم قدر عقابه فنلحقه بذلك الذنب لحصول العلة كما قدمنا مثاله، فهذه هي مسألة الخلاف.
  وقد احتج المانعون من التكفير والتفسيق به: بأن المرجع بالكفر إلى تزايد العقاب، والعلة في استحقاق العقاب إنما هي القبيح، ومن ثَمَّ حكم الشيوخُ بأن أقل جزء من أجزاء القبيح إذا قبح لوجهٍ واحد لم يستحق عليه من العقاب إلا جزاءً واحداً، وأن تزايد العقاب إنما هو لتزايد وجوه القبح، إذا ثبت ذلك فمن الجائز أن نعلم كون الفعل كفراً ولا نعلم الوجه الذي لأجله تزايد عقابه حتَّى صار كفراً، وإنما نعلم أنه إنما عظم عقابه لوجهٍ اقتضى ذلك، ولا يمتنع أن تكون المصلحة في أن لا نعلم تلك الوجوه على التفصيل، كما لا نمنع أن المصلحة تعلق بالعلم بها تفصيلاً، وصار الحال فيه كالحال فيما ورد السمع بقبحه أو وجوبه في أنا نعلم - في الجملة - أن ثَمَّ وجهاً اقتضى القبح والوجوب، وهو كونه داعياً إلى واجب أو قبيح.
  ثُمَّ من الجائز أن بعض الأفعال في الدعاء أبلغ من بعض بأن يدعو إلى واجبات كثيرة، والآخر إلى قليلة أو يدعو إلى قبيح واحد أو قبائح كثيرة، فكما أن تفاصيل ذلك لا تُعلم إلاَّ سمعاً ولا يمكن معرفتها بالقياس، كذلك نقول في كون الفعل كفراً أو فسقاً؛ لأن العلة لا يمكن معرفتها مع تلك الأمور المجوزة.