الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  مثاله: في الذرة مطعوم فلا يجوز بيعه بجنسه متفاضلاً قياساً على البر، فيمنع في البر فنقول: قال ÷ «لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا يداً بيدٍ سواء سواء» فإن الطعام يتناول الذرة، كما يتناول البر.
  وأنت تعلم مما ذكر أن دليل العلة إن كان نصاً وجب أن لا يتناوَل الفرع بلفظه مثل أن تقول: النباش يُقطع لأنه سارق، كالسارق من الحي.
  فنقول: ولم قلت: إن السارق من الحي إنما يقطع لأنه سارق، فتقول {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨]، رتب القطع على السرقة بفاء التعقيب، فدل على أنه المقتضي للقطع.
  فنقول: فهذا يوجب ثبوت الحكم في الفرع بالنص، فإن ثبوت العلة يفيد ثبوت الحكم، ولا مخلص للمستدل إلا منع كونه عاماً.
  الشرط (الخامس: كونه قابلاً للتعليل) ليصح تعليله، فيصح رد الفرع إليه بواسطة التعليل، فأمَّا إذا لم يكن قابلاً للتعليل لم يصح القياس عليه، (فلا يقاس على ما عدل به عن سننه) أي سنن القياس، والباء للتعدية أي جعل عادلاً ومجاوزاً عنه، فلم يبق على منهاج القياس فلا يقاس عليه، (وهوَ) أي ما عدل به عن سنن القياس (ثلاثة أنواع):
  (الأول: ما لا تُعرف علته) فلا يقاس عليه؛ لأن من حق القياس معرفة علة الأصل أولاً، ثُمَّ إلحاق ما وجدت فيه تلك العلة بالأصل، وإن كان الأصل يقبل التعليل فجهل العلة مانع من القياس.
  (و) هذا النوع (يعبر عنه بالتعبد) فيقال: تعبدنا الله بهذا ولا ندري ما العلة فيه؟! (نحو كون الصلاة خمساً، وتعيين ركعاتها)، حيث كان بعضها ثنائية، وبعضها ثلاثية، وبعضها رباعيّة، (و) تعيين (سجداتها) حيث جعلت مثنى، (و) تعيين (أوقاتها) حيث جعل لها الخمسة الأوقات المعروفة، (و) تعيين (وقت الصوم) حيث جعل رمضان، (وصفات مناسك الحج) من الإحرام، والوقوف بعرفة، والمرور بالمشعر، والمبيت بمنى، ورمي الجمار، والطواف، والسعي، (و) تعيين (وقته) وهو الأشهر المعلومات في الإحرام به، قيل ندباً فيها ومكروهاً في غيرها، وقيل: لا ينعقد إلا فيها فتنقلب عمرة، ويوم عرفة وما بعده من أيام التشريق في تأديته وفي الإحرام به أيضاً على قول القائل، فلا كراهة فيها على خلاف مطول في الفروع، وتعيين موضعه من الجبل ومشعر ومنى والبيت الحرام، إلى غير ذلك.