الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  فيه مع كون الخصم مانعاً لكون الحكم فيه معللاً بعلةٍ المستدل، وذلك إمَّا لمنعه لكونه علة أو لوجودها فيها، والأوَّل يسمى مركبُ الأصل، والثاني مركب الوصف:
  مثال الأول: أن تقول الشافعية في مسألة العبد هل يقتل به الحر؟: عبد فلا يقتل به الحر، كالمكاتب فإنه محل الاتفاق، فيقول الحنفي: العلة عندي في عدم قتله ليس هو كونه عبداً، بل جهالة المستحق للقصاص من السيد والورثة، لاحتمال أن ينتهي عنده العجز عن أداء النجوم فيستحقه السيد، وأن يصير حراً بأدائها فيستحقه الورثة، وجهالة المستحق لم تثبت في العبد فإن صحت هذه العلة بطل إلحاق العبد به في الحكم لعدم مشاركته له في العلة، وإن بطلت منعت حكم الأل، وقلت: يقتل الحر بالمكاتب لعدم المانع، وعلى التقديرين فلا يتم القياس.
  ومثال الثاني: أن يقال في مسألة تعليق الطلاق قبل النكاح: تعليق للطلاق بالنكاح، فلا يصح كما لو قال: زينب التي أتزوجها طالق، فيقول الحنفي: العلة وهو كونه تعليقاً معقودة في الأصل، فإن قوله: زينب التي أتزوجها طالق تنجيز لا تعليق، فإن صح هذا بطل إلحاق التعليق به لعدم الجامع، وإلا منع حكم الأصل وهو عدم الصحة في قوله: زينب التي أتزوجها طالق، لا أنها منعت الوقوع؛ لأنه تنجيز، فلو كان تعليقاً لقلب به على التقديرين، فلا يتم القياس، وإنما يسمى ما يستغنى عن إثبات الأصل فيه لموافقة الخصم ذا قياس مركبٌ، لإثبات المستدل والخصم كل منهما الحكم بقياس آخر، فقد اجتمع قياسهما وهو معنى تركيب القياس، وذلك أنهما اتفقا على أن الحر لا يقتل بالمكاتب، وإنما اختلفا في أن العلة كونه عبداً أو جهالة المستحق، وكذا اتفقا على عدم الصحة في زينب التي أتزوجها طالق، وإنما اختلفا في أن العلة كونه تعليقاً أو تنجيزاً.
  ثُمَّ إن الأول اتفقا فيه على الحكم وهو الأصل باصطلاح، دون الوصف الذي يعلل به المستدل فيسمى مركب الأصل، والثاني اتفقا فيه على علية الوصف الذي تعلل به المستدل بمعنى أنه لو ثبت اشتراك الأصل والفرع فيه كان مركبَ الوصف، فيسمى مركب الوصف، وإن كان في الظاهر اتفاقاً في مجرد حكم الأصل دون الوصف تمييزاً له عن صاحبه بأدنى مناسبة.
  واعلم أن كل موضع يستدل فيه الخصم باتفاق الطرفين يتأتى فيه دعوى أنه قياس مركب، وأن الخصم لا يعجز عن إظهاره فقد يدعى أنه هو العلة، إمَّا بالاستقلال أو بالانضمام ولا سبيل إلى دفعه