الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  قال القاضي عبد الله بن حسن: ويعني أبو الحسين أنه لم يجزم فيه فهو متوقف، أو يقال: إنه يقول بجواز ذلك، وموضع الاجتهاد الذي قصده أنه لو رجح القياس على قياس الأصول على القياس على الخبر الذي يخالف القياس كان أولى.
  وقال (جمهور الحنفية يقاس على الأصول لا عليه) أي المخالف لقياس الأصول (إلا) أن يحصل معه أحد أمور ثلاثة:
  [١] إمَّا (أن يرد) ذلك الحكم (معللاً كخبر الهرة) وهو ما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والموطأ وابن ماجة وصححه الترمذي وابن خزيمة عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله وآله وسلم قال في الهرة «إنها ليست بنجس، وإنما هي من الطوافين عليكم والطوافات»، فعلل عدم بقاء النجاسات التي لا تزال تتضمخ بها وتتصل، فعمها بكثرة التردد المتعذر معه التحفظ، وما ذاك إلا ليقاس عليه فيصح حينئذ القياس، وإن ثبت حكم الأصل بنص مخالف للقياس؛ لأن الخبر يقضي طهارة فمها بالريق، والقياس أن المحال المتنجسة لا تطهر إلا بالغسل، وقد قيل: إن خبرة الهرة مخالف للأصول لا لقياسها.
  والهر: السنور، والجمع هررة، كقرد وقردة، والأنثى هرة، وجمعهما هرر، كقرية وقرى.
  [٢] (أو) أن (يقوم قاطع من إجماع أو غيره على كونه معللاً) فإن الإجماع على أن هذا الحكم معلل كالتنصيص على العلة، وقد عرفت أن ثمرة التعليل إنما هي القياس، (وإن اختلف في تعيين علته) ومثال ذلك: الأشياء الستة الربوية فإنه قد أجمع على تعليل التفاضل فيها، وإن اختلف في تعيين العلة.
  قال المهدي: وكان القياس عدم التحريم لقوله {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[البقرة: ٢٩]، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}[البقرة: ٢٧٢].
  [٣] (أو) أن (يكون حكمه موافقاً لبعض الأصول) وإن كان (مخالفاً لبعضها) ومَثَّلَهُ المهدي: بخبر التراد والتخالف عند وقوع التخالف، فإنه وإن خالف القياس من حيث أن على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين، فقد وافق قياساً آخر: وهو أن القول قول المالك.
  فإذا كان مع ذلك الخبر المخالف للقياس أحد تلك الأمور صح القياس، فيلحق مثلاً فم الصبي بفم الهرة، والذرة بالبر، والسلعة التالفة بالقائمة، وإلا يحصل أحدها فلا قياس عندهم،