(فصل): [في الكلام في العلة وشروطها]
  المسكر، كالخمر والنبيذ، لا باعث عليه، كالزوال فإنه علامة لوجوب الصلاة لا باعث عليه، وإنما عدلوا عما قاله أهل العدل لوجهين:
  أحدهما: أن الحكم الشرعي عندهم هو خطاب الله القديم لا يصح، والقديم لا يصح أن يؤثر فيه شيء، وهذا أصل قد تقرر فساده، ولو سلمنا لهم صحته لم نسلم لهم أنه لا يؤثر فيه غيره؛ لأن الكلام يحتاج إلى الإرادة، وإلى العلم، وإلى الحياة، وبعض هذه المعاني يحتاج إلى البعض، وليس التأثير أكثر من وقوف الشيء على غيره.
  الوجه الثاني: أنهم قالوا: لو كانت العلة مؤثرة في الحكم الشرعي - وقد صح أن يكون له علل كثيرة - لأدى إلى اجتماع المؤثرات على شيء واحد، وذلك ممنوع في العلل العقلية كذلك في الشرعية.
  والجواب: أنا إنما منعنا في العلل العقلية من حيث أن لا طريق إلى إثباتها إلا حصول معلولاتها عند حصولها، فلو جوزنا أن يؤثر في معلول هذه العلة غيرها لما كان لنا طريق إلى إثباتها إلا حصول معلولاتها عند حصولها، فلو جوزنا أن يؤثر في معلول هذه العلة غيرها لما كان لنا طريق إلى إثباتها، لجواز أن يكون المؤثر غيرها مما يصح أن يخلفها، وليس كذلك العلل الشرعية فإن إلى إثباتها طرقاً غير حصول معلولها، ألا ترى أنا نعلم بالأدلة كون الحدث علة في الصلاة، وكذلك الردة والجنون، فإذا حكمنا بفساد الصلاة في موضع لحصول أحد هذه الأشياء لم يخرج باقيها من كونها علة إذا وجدت.
  قالوا: الرب تعالى لا يبعثه شيء على شيء.
  قلنا: بناء على أصلكم الفاسد من نفي التحسين والتقبيح العقليين، ومن أن وجه حسن الفعل إنما هو انتفاء النهي، ووجه قبحه النهي وسيأتي إنشاء الله تعالى إبطال ذلك.
  (ويمتنع تقدم الحكم عليها) أي على العلة الشرعية سواء جعلناها باعثة أو معرفة أو موجبة على اختلاف الآراء؛ لأن الحكم مع التقدم يصيرها غير علة.
[الفرق بين العلة الشرعية والعقلية]
  واعلم أنه ربما تشتبه على الناظر العلة الشرعية والعقلية، فلا بد من فارق بينهما:
  (والفرق بينها وبين العقلية) وهي ذات أوجبت لأخرى صفة أو حكماً زائدين على الوجود، كالحركة في إيجابها كون المحل متحركاً، والاعتماد في إيجاب كون ذلك المحل معتمداً يحصل بوجوه:
  الأول: قوله (بما ذكر) من أن الشرعية باعثة، والعقلية موجبة لمعلولها من الصفة والحكم.