(فصل): [في الكلام في السبب]
  فقلت ادفعوا الأسباب لا يشعروا بنا ... وأقبلت في أعجاز ليل أبادره
  يعني الحبال.
  وقال تعالى {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ١٦٦} قال الإمام: يعني أنه فات عليهم جميع ما كانوا يتوهمونه من جميع التوصلات وأنواع الحيل وسائر التخيلات.
  (واصطلاحاً) يطلق على معانٍ:
  أحدها: (العلامة المعرِّفة) للحكم (كالزوال) فإنه معرف لوجوب الصلاة، ورؤية الهلال فإنه معرف لوجوب الصوم، قال الإمام: وهذا أقوى الإطلاقات إلى ملائمة وضع السبب؛ لأن الإيجاب حصل عند هذه الأشياء لا بها.
  (و) الثاني: (المعنى المقابل للمباشرة) أي قسيمها، لأن الجناية مباشرة: وهي المتولي لفعلها الجاني، وغيرها وهي ما لا يتولى فعله الجاني، ولكن يفعل فعلاً ليس له فعله يقع معه الجناية على الغير، أو يقصر في دفع ضرر، وكان يمكنه دفعه على وجه مخصوص.
  قال الإمام: فإذا قوبل بالمباشرة أريد به الشرط، وذلك (كحفر البئر) في موضع ليس للحافر وضعه فيه إذا أردى فيها إنسان إنساناً غير الحافر، (فهو سبب من الحافر مقابل للإرداء) الذي حصل من غير الحافر، فالحافر مسبب لفعله الفعل المتعدي به (والمردي مباشر) لأنه فعل الجناية القاتلة بنفسه، فالضمان عليه؛ لأنه أحق وأولى لأجل المباشرة، وأمَّا من حل عبداً فأبق فهو مسبب أيضاً، والمباشر بالإباق هو العبد، فالسبب هاهنا في محل الشرط، ولكن الضمان على الشرط؛ إذ لا وجه للإحالة على فعل العبد فقد يناط الضمان بالشرط عند تعذر الإضافة إلى السبب كما أوضحناه هنا.
  (و) الثالث: (العلة الباعثة) على الحكم (كالزنا) الباعث على الجلد فإنهم يسمونها سبباً فيقولون: الزنا سبب الجلد، قال الإمام: وهذا هو أبعد الاصطلاحات عن إطلاق السبب في لسان أهل اللغة؛ لأن الحكم مضاف إلى الزنى بنفسه، والحكم لا يضاف إلى الأسباب، قال: والذي حسن من إطلاقه هو أن العلل الشرعية في معنى العلامات، والأمور الباعثة على الأحكام الداعية إليها؛ لأنها غير موجبة للأحكام بذواتها، بل يجب الحكم عندها بإيجاب الله تعالى، فلهذا شاع إطلاق اسم السبب على ما ذكرناه، قال: وما كان أقرب إلى وضع اللغة فيه فهو أقوى، وما كان أبعد فهو أضعف. انتهى.