الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  الرابع: (مستند العلة، كاليمين عِنْدَ قوم فهي سبب الكفارة) أي مستند علتها (وعلِتها الحنث، ولكنَّه) أي الحنث (لا يعقل إلا بها) أي باليمين، فإذا قيل: اليمين سبب الكفارة، فالمراد أنها مستند العلة، أعني أنه لو لا عقد اليمين لم يقع الحنث.
  قال الدواري: ومنهم من يقول: اليمين علة والحنث شرط، فعلى هذا لا يكون اليمين مستند العلة، بل هي العلة. انتهى.
  وكلام أصحابنا في الفقه أن اليمين والحنث سبب أي علة للكفارة، ولذا منعوا من تقديم الكفارة على الحنث؛ لأنه جزء العلة وهي عندهم مركبة من مجموعها، والحكم لا يتقدم على سببه، وإن جاز تقدمه على شرطه كتعجيل الزكاة على الحول الذي هو شرط، بعد ملك النصاب الذي هو سبب، ولا يجوز التعجيل قبل الملك للنصاب الذي هو سببه.
  قال الإمام: ووجه الاستعارة في هذا هو أن الحكم لا يحصل بمجرد اليمين كما لا يحصل الماء والوصول إلى الغرض بمجرد الطريق والحبل، فلما كان مشبهاً لهما فيما ذكرناه حسن إطلاق اسم السبب عليها.
  (و) الخامس: (علة العلة، كالرمي فهو سبب الموت، وعلته الجرح) المؤثر في زوال الحياة، فلما كان الرمي علة للعلة أطلق عليه اسم السبب، فكأن الموت حصل عنده؛ لأنه يجري مجرى ما يطلق في مقابلة المباشرة.
  والفرق بين الرابع والخامس: حيث سمى الرابع مستند العلة والخامس علة العلة، أن العلة في الرابع متوقفة على اختيارنا وهي الحنث، فسمي ما ترتب عليه هذه العلة مستنداً، والخامس العلة فيه غير متوقفة على اختيارنا وهي الجراحة التي حصل بها التفريق، فسمى ما توقف عليه الجرح علة وهو الرمي.
  (وقد يكون الوصف الواحد سبباً لأحكام) أي علامة عليها (وعلة لأخر) أي باعثة عليها، وذلك (كالحيض) فإنه سبب لأحكام وهي البلوغ وخلو الرحم من الولد وانقضاء العدة، وعلة لأحكام أخر، وهي تحريم الوطء ومس المصحف وقراءة القرآن ودخول المسجد والاعتداد بالأشهر.
  قال في الغيث: فإن قلت: ولم كان في الأول سبباً وفي الآخر علة وما الفرق؟
  قلت: أن العلة من حقها أن يكون بينها وبين الحكم الذي تقتضيه مناسبة مهما لم يكن شبهية، فخروج الدم مناسب لهذه، بمعنى أن العقل يقضي أنه المؤثر فيها، ألا ترى أنه ورد تحريم وطء الزوجة