الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 378 - الجزء 2

  (ومبنى الخلاف على إثبات الفرق بين الثلاثة) التي هي العلة والسبب والشرط (وعدمه) أي عدم الفرق بينهما، فمن لم يفرق بينهما أثبته مثبت الركن ومن فرق بينهما لم يثبته (وسيأتي) الفرق بينهما (إنشاء الله تعالى).

  (وفائدته) أي الفرق بين العلة والسبب والشرط إذا ثبت ذلك (أن يضاف الحكم إلى العلة) والمراد بالإضافة الإضافة على وجه التأثير في الحكم (دونهما اتفاقاً؛ لأنها باعثة عليه بخلافهما) فلا يبعثان على الحكم، فإن الوقت لا يقتضي وجوب الصلاة، وكذلك الإحصان لا يقتضي وجوب الجلد بخلاف الزنا واللطفية مثلاً، وهذا حكم اتفاقي.

  وإنما الخلاف هل الجميع من الثلاثة هو العلة فيضاف الحكم إليه أو البعض هو العلة فقط فيضاف الحكم إليه دون غيره:

  فالجمهور يقولون: البعض هو العلة فقط وغيره سبب أو شرط فيضاف الحكم إليه فقط دون غيره.

  والأقلون يقولون: الجميع هو العلة فيضاف الحكم إلى الجميع، فلو سلم الجمهور أن الجميع علة لأضافوا الحكم إليها، ولو سلم الأقلون أن بعضها سبب وشرط لم يضيفوا الحكم إليها.

  (وتظهر ثمرته في كثير من صور الفروع) فمن ذلك التردية مع الحفر فإنها دالة على الفرق بينهما؛ لأن التردية هي العلة؛ لكونها مخيلة والحفر على جهة العدوان ليس مخيلاً، فإذا اجتمعا فالضمان والغرم محالان على من ردى؛ لأن التردية فيها اختصاص ظاهر بالجناية والحافر لا شك في انقطاع أثره، فلهذا لم يكن له حكم بالإضافة إلى المردي.

  ومن ذلك: شهود الزنا مع شهود الإحصان إذا رجعوا، فالرجم حاصل بمجموع الأمرين فيتعدى فيه رأيان، أحدهما: ترجيح جانب الزنا؛ لأن الرجم معلق بالزنا والإحصان نازل منزلة الشرط، فهو صفة تابعة، فالموجب في الحقيقة هو زنا المحصن لا إحصان الزاني، هذا على كلام الفقهاء، قال في الحاوي: ومن جعلهما علتين ولم يفرق حكم بالغرم عليهم معاً، وفي القسطاس ما يناقضه كما يأتي إنشاء الله تعالى.

  ومن ذلك: شراء القريب بنية الكفارة فإنها دائرة على التفرقة بين الشرط والعلة، ووجه ذلك هو أن من شرى قريباً له ونوى عتقه عن كفارة واجبة عليه فمذهبنا والشافعي أنها غير مجزية؛ لأنه غير منصرف إليها؛ لأن الواجب تحرير رقبة عليه، والتحرير عبارة عن إيجاد علة العتق وتحصيلها