(فصل): [الفرق بين العلة والسبب]
  (والسبب قد يختص به كالإقرار) بالزنا فإنه سبب في الحكم مختص بمحله وهو الزنا، (وقد لا يختص به كالزوال)، وبدو الهلال، فإنهما سببان لوجوب الصلاة والصوم، ومحل الوجوب المكلف، وبدو الهلال منفصل عنه، وكذلك الزوال في الأرض؛ لأنه ميلان الظل.
  واعترض هذا الفرق بالعتق فإنه علة في ارتفاع الملك عن المملوك غير مختص به.
  الوجه (الثالث: أنها) أي العلة (مناسبة له) أي للحكم الذي أثرت فيه؛ لأن المؤثر يجب أن يكون مساوياً للمؤثر فيه، وذلك كالإسكار فإنه علة في تحريم الخمر وهو مناسب للتحريم، وسواء كانت المناسبة بنفسها كما مثل، أو بواسطة كما يقال في الأوصاف الشبهية على أنواعها فإنها وإن لم تكن مناسبة بظاهرها فإنها مناسبة باشتمالها على الأمر المناسب، قاله الإمام في القسطاس، وهذا بناء على الغالب وإلا فقد وقعت العلة مجردة من ذلك نحو «من مس ذكره فليتوضأ».
  (والسبب قد يكون مناسباً له كحفر البئر) عدواناً فإنه مناسب (للضمان) فإن حفر البئر سبب وفيه نوع من المناسبة، ولكن التردية أخص منه، فلهذا كان الضمان معلق بها لما كانت المناسبة في حقها أقوى، وأظهر وللحفر فرع من المناسبة، ولهذا كان الضمان معلقاً به إذا عدمت التردية بأن يكون المتردي جاهلاً (وغير مناسب كالأوقات للصلاة) من طلوع الفجر ودلوك الشمس وغيبوبة الشفق، فإن هذه الأوقات كلها أسبابٌ في وجوب هذه الصلاة مع أنه لا مناسبة لها، وهكذا الكلام في هلال رمضان فإنه سبب في وجوب الصوم وهلال شوال فإنه سبب في وجوب الإفطار، مع أنهما لا مناسبة لهما في وجوب الإفطار والصوم، وهكذا الكلام في المواقيت كلها، فإنها سبب في وجوب الإحرام لكل من أراد المجاورة لها ولا مناسبة لها.
  (الرابع: أنه لا يشترك فيها إلا واشترك في حكمها) لكن هذا الوجه لا يتأتى عند من جوز تخلف الحكم عن العلة، بل (عند من منع من تخصيصها) وهذا (بخلاف السبب، فقد يشترك فيه ولا يشترك في حكمه كالزوال) فإنه يشترك فيه الحائض والطاهر ولا يشتركان في لزوم الصلاة.
  واعترض هذا الفرق: بأنه إنما لم يشترك المكلفون هنا في الحكم لفقد شرط في بعضهم، وكذلك قد تكون العلة، فإن الجماعة قد يشتركون في الزنا ولا يشتركون في الجلد بأن يكون البعض صبياً أو مجنوناً.