الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 384 - الجزء 2

  في الرجم والإحصان صفة له لا توجب الحكم إلا باعتباره، والعلة الشرعية عبارة عما كان موجباً للحكم، والموجب ما جعله الشرع موجباً كان مناسباً أو غير مناسب، فالعلل الشرعية كالعلل العقلية في صحة مطلق الإيجاب، خلا أنهما يفترقان بإيجاب العلل الشرعية، فإنما هو بجعل الشرع إياها موجبة لا بنفسها بخلاف العلل العقلية عند القائلين بها، فإن إيجابها إنما هو لذاتها، والعلة في الرجم إنما هو زنا المحصن لا مطلق الزنا، والإحصان وصف للزنا، وهو في كونه وصفاً للزنا بمنزلة وصف الجسم بكونه أسود وأبيض وحلواً وحامضاً، فالزنا إذا كان بالإحصان يخالف حاله إذا كان غير موصوف به، فإذا قال صاحب الشريعة: اقتلوا زيد لأنه أسود، اقتضى قتل كل أسود، فإذا بان بالنص أنه لا يقتل إلا زيد على الخصوص ظهر أن العلة غير السواد مطلقاً، وإنما هو سواد مخصوص، وهكذا يقال: ليس العلة في الرجم الزنا مطلقاً، إنما هو الزنا المخصوص الموصوف بالإحصان، فإن صدر من مختص كملت العلة وأوجبت وإلا فالعلة ناقصة لما تأخر عنها وصف الإحصان.

  وهكذا يقال: العلة في إفادة الملك عقد موصوف يشتمل على أوصاف وهو صدوره من عاقل بالغ حر بمال معلوم في نفسه مقدور على تسليمه إلى غير ذلك، وليس العلة بيعاً مطلقاً، بل موصوفاً ليفيد العقد الملك، فإذا صدر من صبي فهو ناقص بالإضافة إلى البالغ، ومن عبد فهو كذلك بالنسبة إلى الحر المالك للتصرف، وهكذا تقدير سائر الصفات المعتبرة في البيع التي تنشأ من الأهل والمحل، فإن كان ذلك راجع إلى نقصان العلة فحصل مما ذكرناه أنه لا وجه للفرق بين العلة والشرط كما هو رأي الفقهاء، وأن الكل من أجزاء العلة أوصاف مركبة رتب الشرع الحكم عليها، خلا أن بعض تلك الأمور يكون موصوفاً وبعضها وصفاً تابعاً.

  قال الإمام في القسطاس: وهؤلاء وإن أنكروا الفرق بين الشرط والعلة وجعلوا العلة مركبة من هذه الأوصاف فإنهم لا ينكرون أن يكون بعض تلك الأمور ذاتاً وبعضها وصفاً تابعاً، فكان إضافة الحكم إلى الذات أحق من الإضافة إلى الصفة التابعة، فالعلة وإن كانت مركبة من التردية والحفر فالضمان يجب على المردي دون الحافر؛ لأن لبعض العلل مزية فيكون الأحق بإضافة الحكم إليها، إمَّا لأن بعضها ذات وبعضها وصف كالزنا مع الإحصان، وإمَّا لأن بعضها أدخل من الآخر، فليس تأثير الحفر كتأثير التردية، بل هما مختلفان بالإضافة إلى القضايا العقلية، ولا