الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس

صفحة 387 - الجزء 2

  مثالُه: أن تقول الحنفية في مسألة المرتدين - إذا أتلفوا أموال المسلمين -: مشركون أتلفوا أموالاً في دار الحرب فلا ضمان عليهم كسائر المشركين، فيقال: دار الحرب لا تأثير له عندكم ضرورة استواء الإتلاف في دار الحرب ودار الإسلام في عدم إيجاب الضمان عندهم.

  نعم، قال الإمام الحسن في قسطاسه: وليس المراد بتأثير العلة أن تكون باعثة لا مجرد أمارة، أعني ما يعرف الحكم ولا يكون باعثاً، بل ما يعم ذلك قولك: لا يصح أن تكون مجرد أمارة؛ لأنها لا فائدة لها سوى تعريف الحكم، وإنما يعرف بها الحكم إذا لم تكن منصوصة أو مجمعاً عليها؛ لأن التنصيص عليها أو الإجماع تصريح بالحكم فلا يصدق أن الحكم إنما عرف بها، وإذا كانت مستنبطة فهي متفرعة على حكم الأصل لاستنباطها منه، فلا يعرف إلا بثبوته، فلو عرف ثبوت الحكم بها لزم الدور.

  قلنا: إن كون الوصف معرفاً للحكم ليس معناه أنه لا يثبت الحكم إلا به كيف وهو حكم شرعي لا بد له من دليل شرعي نص أو إجماع، بل معناه أن الحكم يثبت بدليله ويكون الوصف أمارة بها يعرف أن الحكم الثابت حاصل في هذه المادة، مثلاً إذا ثبت بالنص حرمة الخمر وعلل بكونها مائعاً أحمر يقذف بالزبد كان ذلك أمارة على ثبوت الحرمة في كل ما يوجد فيه ذلك الوصف من أفراد الخمر، وبهذا يندفع الدور.

  والحاصل: أن العلة تتوقف على العلم بشرعية الحكم بدليله، والمتوقف على العلة هو معرفة ثبوت الحكم في المواد الجزئية، وأمَّا ما يقال من أنها تكون لتعريف حكم الفرع فليس بشيء؛ لأن التقدير أنها علة لحكم الأصل بمعنى الأمارة عليه. انتهى.

  الشرط (الثالث: كونها) أي العلة (بعض أوصاف الأصل لا كلها) فلا يصح التعليل بجميع أوصاف الأصل (منصوصة كانت أو مستنبطة، وقيل: يجوز أن يكون كلها فيهما) أي في المنصوصة والمستنبطة.

  والمانعون لكونها كل أوصاف الأصل اختلفوا في العلة:

  فقال (الكرخي وأبو عبد الله: وعلة منع ذلك أنه يؤدي إلى منع تعديتها) عن الأصل إلى الفرع، وإذا لم تتعد لم يتعد الحكم؛ إذ تعديه فرع لتعدي العلة، وإنما حكمنا بالتأدية إلى ذلك (إذ لا يوجد في الفرع كل أوصاف الأصل) فيؤدي ذلك إلى أن العلة لا تعدي عن الأصل، وكذا الحكم؛ إذ تعديه فرع تعديها، فلو علل مثلاً حرمة الخمر بأوصاف الخمر ومن جملتها كونه