الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  نقضت عليهم لوجود المدعى علة في ذلك مع تخلف الحكم، ولم يكن قدحاً في العليَّة عندهم، إمَّا (بأنَّها أخرجت من عموم الخطاب) نحو المثلي مضمون بمثله «لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء» (لا من عموم القياس) فهي خارجة عن محل النزاع فلا يرد نقضاً، (أو) نقول: إنها لم تخرج من عموم اللفظ، بل أخرجت (من عموم القياس لكن) لا على جهة النقض، بل (مع جعلها جزءاً من العلة) لتكون مطردة لا يتخلف عنها الحكم في حال.
  ومثاله: ما لو قيل في مثلي: أتلف مثلي فيضمن بمثله؛ لأنه مثل في غير المصراة، وفي الذرة مطعوم فيجب فيه التساوي لأنه مطعوم في غير العرايا كالبر فتخرج العرايا.
  وقد يقال: ذكر القيد وجعله جزءاً من العلة إنما كان لئلا يرد النقض، وذلك إنما يصح إذا لم يرد النقص معه، وليس كذلك فإنه وارد معه اتفاقاً بأن يقال: هذا وصف طردي، فيلزم منه بطلان العلة لاشتراطنا ذلك.
  ومثل ما ذكر هنا واعتبر صيانة ما نقل عن أبي الحسين في معرض الاحتجاج واعترض به فإنه قال: النقض إنما يصح مع وجود مانع أو عدم شرط فيكون نقيضه وهو عدم المانع، ووجود الشرط أجزاء من العلة؛ لأن المستلزم هو العلة مع ذلك، فلا يكون الأولى تمام العلية فتنقدح عليتها.
  مثاله: إذا علم أن الربا يثبت في الحديد لكونه موزوناً فينقض بالرصاص فقيل: المانع البياض أو الشرط السواد، فقد علم أن العلة كونه موزوناً مع أنه ليس بأبيض أو مع أنه أسود فلا يكون كونه موزوناً هو العلة، بل جزء العلة.
  واعترض: بأنه لا يلزم من كونه لا بد منه أن يكون جزءاً من العلة؛ إذ المراد بالعلة الباعث وليس ذلك من الباعث في شيء، وعلى هذا فيرجع النزاع لفظياً مبنياً على تفسير العلة، فإذا فسرت بالباعث على الحكم جاز النقض، وإن فسرت بما يستلزم وجوده وجود الحكم لم يجز.
  وقال (بعض الشافعية: يشترط) وجوب اطراد العلة (في المنصوصة) لأن دليلها نص عام فيتناول محل النقض، فلا يقبل النقض؛ إذ يلزم إبطال النص (لا المستنبطة) فلا يشترط فيها الاطراد، بل يجوز التخصيص فيها إذا كان (لمانع أو عدم شرط) لأن دليلها الاقتران مع عدم المانع ووجود الشرط ولا يتخلف عنه.