الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في خواص العلة]

صفحة 409 - الجزء 2

  (على الأصح) لأن أحد الحكمين يدور مع الآخر ثبوتاً وانتفاءً، ولأن الميتة قد حرم بيعها بالنص ولا وجه لذلك إلا كونها نجسة لبطلان سائر الأقسام كلها، وهذه طريقة سبر مضافة إلى الدوران.

  وقيل: لا يجوز لأنه إن تقدم الحكم الذي هو العلة لزم النقض وهو تخلف الحكم عن العلة، وإن تأخر لم يجز لما مر من امتناع كون ثبوت العلة متأخراً عن ثبوت حكم الأصل، وإن قارن فلا أولوية لأحدهما بالغلبة، فيلزم التحكم، وقد يمنع التحكم لثبوت المناسبة أو غيرها في أحدهما فقط.

  واختار ابن الحاجب تفصيلاً: هو أنه إن كان باعثاً على حكم الأصل لتحصيل مصلحة يقتضيها حكم الأصل جاز، كما يقال في بطلان بيع الخمر علته النجاسة لمناسبتها المنع من الملابسة تكميلاً لمقصود البطلان وهو عدم الانتفاع والنجاسة حكم شرعي، وأمَّا إن كان لدفع مفسدة نقيضها حكم الأصل فلا يجوز؛ لأن الحكم الشرعي لا يكون منشأ مفسدة مطلوبة وإلا لم يشرع ابتداء.

  واعترض قوله: إن كان لدفع مفسدة ... إلخ بأنه يجوز أن يشتمل الحكم الشرعي على مصلحة راجحة ومفسدة مرجوحة مطلوبة الدفع فيدفع بحكم آخر شرعي، وذلك كحد الزنا فإنه حكم شرعي مشتمل على مصلحة راجحة هي حفظ النسب، وهي حد ثقيل لكونه دائر بين رجم كما في المحصن وبين جلد وتغريب كما في غيره وفي كثرة وقوعه مفسدة، إمَّا من إتلاف النفوس وإيلامها فشرع المبالغة والاحتياط في طريق ثبوته أعني الشهادة دفعاً للمفسدة القليلة، وهذا معنى كون ذلك علة باعثاً عليه، فوجب الحد المفضي إلى كثرة الإتلاف والإيلام حكم شرعي معلل بوجوب أربعة الشهود دفعاً لمفسدة الكثرة لينفي مصلحة حفظ النسب خالصة.

دقيقة

  إذا جوزنا الاستدلال بالحكم الشرعي على مثله وتعليله به، فهل يجوز تعليل الحكم العقلي بالحكم الشرعي أو لا؟.

  أمَّا على رأي من يثبت الأحكام العقلية بالقياس: فلا مانع منه، ومثاله: تعليل إثبات الحياة في الشعر بأنه يحرم بالطلاق ويحل بالنكاح، فيجب القضاء بكونه حياً كاليد.

  وأمَّا من لا يثبت الأحكام العقلية بالقياس: فهذا لا يصلح على مذهبه الاستدلال به إذا كان المطلوب هو القطع.

  فأمَّا إذا كان المراد من ذلك حكماً فقهياً: فذلك جائز لا محالة.