(فصل): [في الكلام في المناسبة]
  فحاصل الجواب عن هذا الاعتراض: لا يكون إلا بعد الرجوع إلى طريق المناسبة أو طريقة السبر، فكل من هذين الطريقين طريق مستقلة من غير حاجة إلى الإجماع في تقرير إثبات العلة، هذا ملخص كلامه في إبطال كون الإجماع طريقاً إلى تقرير العلة وإثباتها.
  وهو فاسد لأمرين: أحدهما: أن الإجماع من جهة القائلين بالقياس على قبوله منعقد.
  الثاني: أنا إنما افتقرنا إلى بيان المناسبة وسلوك طريقة السبر والتقسيم عند ورود بعض الأسئلة على الإجماع، فلا يكون قادحاً في أصل الإجماع الذي يثبت به علل الأصول، هكذا ذكره الإمام، وذلك (كإجماعهم على أن الصغر علة ولاية المال) في الابن الصغير، فيقاس عليه البنت الصغيرة (فإن كان) الإجماع (ظنياً فهي) أي العلة (ظنية، أو قطعياً فهي قطعية وإن كان مستنده أمارة) فإنه يكون قطعياً.
  وقال بعضهم: إذا كان مستنده أمارة لم تخرج العلة عن كونها ظنية كما لا يخرج الخبر عن كونه ظنياً بالإجماع عليه.
  قلنا: لا نسلم أصل قياسه، فإن الخبر يكون حينئذ قطعياً كما أسلفناه فبطل فرع قياسه ببطلان أصله.
  (وأما حجة الإجماع فسيأتي) بيانها إنشاء الله تعالى عند ذكر السبر والتقسيم.
(فصل): [في الكلام في المناسبة]
  (والمناسبة عند أئمتنا والمعتزلة: هي الظاهرة المنضبطة الثابتة لمجرد مناسبتها لحكمها عقلاً)، أي الذي يحصل عقلاً من ترتب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصوداً للعقلاء، وذلك (لحصول مصلحة) وهي اللذة ووسيلتها، (أو دفع مفسدة) وهي الألم ووسيلته، وكلاهما نفسي وبدني ودنيوي وأخروي، وإنما كانت هذه الأمور مقصودة للعقلاء؛ لأن العاقل إذا خير اختار المصلحة ودفع المفسدة، وما كان كذلك فإنه يصلح كونه مقصوداً قطعاً.
  واحترز بقوله: الظاهرة المنضبطة، عن الخفي والمضرب، لأن العلة لا بد أن تكون باعثة على الحكم، وإذا كان الوصف خفياً أو غير منضبط لم يبعث لعدم عرفانه، فما يصلح باعثاً لا بد أن يكون ظاهراً منضبطاً.
  واحترز بقوله: لمجرد مناسبتها لحكمها عقلاً عن الشبه.